سمع شيخ في الثمانين من عمره شاباً مكياً في عمر أحفاده يحتج على الحفريات التي تقوم في الشارع الذي يقطن فيه ذلك الشاب وأنه لا تدفن «حفرة» إلا وتبدأ بعدها بأسابيع وأحياناً بأيام حفرة جديدة تمدد فيها خطوط خدمات فمرة تكون الخطوط تابعة لشركة الكهرباء ومرة للاتصالات بجميع أنواعها ومرة للمياه ومرة للصرف وهي أكبر وأوسع ومرة لتصريف سيول الأمطار ومرات لتوسعة الخطوط القديمة لما ذكر من خدمات، ومع كل حفرة يضيق الشارع وترتبك حركة المرور ويصعب خروج ودخول المسنين والمرضى من منازلهم وإليها وقد تصبح بعض تلك الحفريات خطراً على الأطفال أو ضعيفي البصر أو الذين يمشون وأفكارهم سارحة حول ما يحيط بهم من مشكلات الحياة وتكاليفها الثقيلة مادياً ومعنوياً، حيث تساءل ذلك الشاب: متى تنتهي هذه الحفريات أم أنه ليس لها نهاية؟! ثم نظر إلى الرجل المسن وكأنه يريد منه الجواب، فتبسم ضاحكاً من قوله وعلق قائلاً: على رسلك يا بني فأنت لم تعاصر وتصاحب ما شكوت منه من حفريات إلا منذ عقد من الزمن وقبلها كنت طفلاً أو فتى صغيراً لا تدرك مثل هذه الأمور، أما أنا فإنني مصاحب للحفريات منذ عام 1369ه، عندما كان أمين العاصمة الشيخ عبدالرؤوف صبان رحمه الله وقد تولى الأمانة بعد الشيخ عباس قطان ثم تولى الأمر من بعده نحو عشرة أمناء خلال سبعة عقود ونحن مع الحفريات حتى ألفناها وأصبح بيننا وبينها «عيش وملح وتراب!» وكان بعض أمناء العاصمة المقدسة يصرحون عند توليهم المنصب أنه سيتم تمديد أنفاق خاصة لخطوط الخدمات تغني عن أية حفريات في حالة وجود تمديدات جديدة أسوة بما هو معمول به في دول العالم المتحضر، ولكن كل واحد من أولئك الأمناء كان يغادر منصبه دون أن ينفذ المشروع الحلم «خدمات الأنفاق» فهون عليك يا بني وصاحب الحفريات وألق عليها التحية كلما مررت بجوارها «لأنه لا بد من صداقتها» وإن كان ذلك من نكد الدنيا واحذر أن يتملكك الحماس أو الغضب وأنت تمر بها فينحرف «الدركسون» وتجد نفسك وسط حفرة عميقة مغمورة بماء آسن لتقول لك: مرحباً بالشاب الغضوب وعندها قد تنجو وقد لا تنجو من ذلك العناق؟!