لاشك أن خطط التطوير العملاقة والتاريخية التي حملت عنوان (الرؤية 2030) التي أعلن خادم الحرمين الشريفين موافقة مجلس الوزراء عليها وكشف عن تفاصيلها سمو ولي ولي العهد تبعث التفاؤل في النفوس، ولأن الكتاب يقرأ من عنوانه يمكننا القول إننا مقبلون بمشيئة الله على محطات مفصلية في تاريخ البلد، ومتى ما نجحت هذه الرؤية فإن السعودية ستعيد ابتكار نفسها بصورة لم تكن متوقعة على الإطلاق. وحفاظا على وقت القارئ الكريم لن أدخل في تفاصيل هذه الرؤية الطموحة الجريئة، لأن الأغلبية قد اطلعت عليها خلال المقابلة المهمة التي أجراها الزميل تركي الدخيل مع الأمير محمد بن سلمان والتي أعادت نشر محتواها العديد من وسائل الإعلام، وسأتجه مباشرة إلى النقاط المثيرة التي جاءت في المقابلة حول الشفافية ومكافحة الفساد ومعالجة البيروقراطية، فهذه الأهداف يمكن تحقيقها جزئيا من خلال الاتجاه بقوة نحو الخصخصة وتأسيس مراكز لقياس الأداء الحكومي كما أوضح سمو الأمير محمد. ولكن هذه الرقابة الحكومية الصارمة لن تكون كافية ما لم يكن المواطن شريكا في القرار الوطني. فنحن اليوم نتحدث عن سعودية لا تعتمد على النفط، وهذا يعني أننا سنعيش واقعا مختلفا تماما عن ذلك الذي ولدنا وتربينا عليه وقد كنا في ما مضى - حكومة وشعبا - في رحلة مجانية (مكفولين محفولين) نستخرج النفط من باطن الأرض ونستمتع بعوائده، أما في الغد القريب فإن دخل الفرد أو المؤسسة سوف يعتمد على الإنتاج وسوف يدفع المواطن والمقيم مقابل ما يستمتع به من خدمات عامة، وهنا تتحقق الشراكة عمليا ولا يليق بهذه الرؤية الطموحة والتاريخية التي أعلنت عنها قيادتنا الحكيمة أن يكون دور المواطن يتلخص في الفرجة، بل أن يكون شريكا ورقيبا على ثروات بلاده وكذلك على أداء الوزارات والمؤسسات العامة. وشراكة المواطن في القرار الوطني تتحقق من خلال وسائل عدة، أهمها تعميق المشاركة الشعبية الفعلية والاعتماد على الكوادر الوطنية المبدعة في مختلف المجالات، وهو الأمر الذي أشار إليه الأمير محمد في مقابلته مع الدخيل. وأخيرا نسأل الله العلي القدير أن يحفظ هذا البلد وأهله وأن يكتب النجاح لهذه الرؤية الطموحة، كي تصل بلادنا إلى المكانة التي تستحقها في مصاف أرقى دول العالم وأكثرها تطورا.