كثيرا ما تحدثنا عن ضرورة الاحتفاء بالفنون بكل أشكالها، مسرح، سينما، فن تشكيلي، موسيقى، وغيرها. ليس من باب المحاكاة للشعوب الأخرى أو كمسألة ترفيهية فقط أو شأنا تكميليا أو استعراضيا في مناسبات تقام خارج المملكة، وإنما كحاجة إنسانية وضرورة نفسية ووسيلة ثقافية وإثراء للوجدان والعقل. فأي مجتمع لا يهتم بهذه الفنون فإنه يعيش جفافا قاتلا وضمورا في مشاعره وأحاسيسه. مفردة الفن لدينا تم تلويثها بشكل ممنهج، وصودرت كثير من النشاطات الفنية التي كان يمارسها المجتمع بشكل طبيعي. فجأة وجد المجتمع نفسه في مأزق التحريم وإشكالية ربط الفنون باللهو والعبث والمجون، لكن ذلك لم يجتث البذور الكامنة في أرواح المبدعين الذين خرجوا بمواهبهم الى حيث بإمكانهم التعبير عنها في فضاء الحرية والدعم المعنوي، بل والتكريم للأعمال المتميزة. قبل فترة قصيرة قلت للصديق المخرج المبدع محمود صباغ عندما نشرت أخبار استضافة مهرجان برلين السينمائي لفلمه (بركة يقابل بركة) هل سنشاهد الفيلم هنا يا محمود، قال طبعا، وطبعا هذه تعني مشاهدته في صالة نخبوية بدعوات شخصية، وربما بما يشبه السرية والتكتم. عرض الفيلم في برلين ونال جائزة مهمة وقرأنا أنه سيتم عرضه في مصر والإمارات، لكن البلد الذي خرج منه الفيلم والذي ينتمي إليه مخرجه لن يعرض فيه لسبب بسيط مضحك محزن هو أن السينما العامة غير مسموح بها. وقبل محمود برزت المخرجة هيفاء المنصور، وقبل فترة قصيرة كان هناك مهرجان لأفلام الشباب برعاية جمعية الثقافة والفنون، ولكن تظل السينما ممنوعة رسميا، فهل هناك تناقض وانفصام صارخ في أي مجتمع أكثر من هذا؟ وهل سيصدق أحد في هذا العالم أن بلدا يزخر بالمبدعين في هذا الفن بينما هو ممنوع رسميا؟ بل إن السؤال الموجع هو هل هناك بلد على كوكب الأرض غيرنا يشيطن الفنون الإنسانية ويحتقرها ويضعها في خانة الممنوعات؟ عبارة بليغة قالها محمود صباغ تعليقا على فوز فيلمه بالجائزة: «جائزة بسيطة لسينما واعدة ومكافِحة ومظلومة. قليل من الدعم وسيتسع لنا العالم». [email protected]