يبدو أننا سنتفرغ لتحليل ومناقشة مقاطع الفيديو المثيرة للجدل والمرسلة عبر أجهزة المحمول الذكية، بعد أن انحصرت الحوارات الثقافية بين الناس على ما تحويه تلك المشاهد المستفزة من أمور خارجة عن المألوف، وبعد أن أصبح الواحد منا يتقطر وجهه خجلا حين يتحدث الحاضرون من حوله عن مقطع لم يصله، آخر تلك المقاطع التي أثارت الرأي العام خلال اليومين الماضيين هو ظهور ذلك المدرس الشهم الشجاع وهو يقبل معتذرا رأس الطالب المعتدى عليه، وأين؟! ، في المكان نفسه الذي وقع فيه الخلاف وأمام الطلاب أنفسهم الذين حضروا الواقعة. لم أتمالك نفسي بعد انتهاء المقطع فرحت أصفق فرحا لهذا المشهد التربوي الجميل الذي يعد أبلغ رسائل العيش والتسامح، هل شاهدتم ردة الفعل العفوية للطالب حين انتفض محاولا تقبيل رأس المدرس الذي اعتذر له؟، إنها الفطرة والتربية الصالحة التي نشأ عليها والقائمة على احترام من هو أكبر سنا (فكيف بالمعلم)، لقد أعجبت بحكمة إدارة المدرسة، وبإنسانية المدرس، وأخلاق الطالب الموهوب، وكل من تفاعل بإيجابية مع هذا المشهد الحضاري، وبالمقابل تملكتني الصدمة حتى اللحظة من موقف إدارة التعليم التي صرحت بأن اعتذار المدرس لا يكفي!. هل هو لعب عيال؟!، لقد أراق المدرس ماء وجهه وقدم اعتذاره عما حدث أمام الكاميرا وبحضور إدارة المدرسة، وهذا الإجراء يكفي وزيادة لإنهاء القضية من الناحية الإدارية، أما الشكوى التي تقدم بها والد الطالب أمام الشرطة في الحق الخاص فهذا أمر يخصه ولا يعنينا، مشكلتنا الحاصلة هي مع إدارة التعليم، التي كان يتوجب عليها الاكتفاء بالصلح والاعتذار وقفل ملف القضية التي أمامها، خاصة أن الطالب بالمرحلة المتوسطة ومدرك تماما لتصرفاته، أما المدرس فهو أستاذ للموهوبين وليس بلطجيا أو رد سجون حتى نطالب بتطبيق نص النظام معه!. الاعتذار لمن لا يعرف يعتبر عقوبة تكميلية، وغالبية من تثبت إدانتهم بالاعتداء يرونها العقوبة الأكثر قسوة، فكيف تتم معاقبة هذا المدرس ثم يحال للمحاكمة الإدارية؟!، إذا أردتم الحق، فأنا أعتبر إدارة التعليم محظوظة جدا لأنه يوجد من بين منسوبيها رجل يتحلى بثقافة الاعتذار، فأنا أعرف جهة من الجهات على كثر ما يجيب بعض رجالها «الطعة» في الناس، مرة بالاعتداء بالضرب ومرة بالسحل ومرات عديدة بالمطاردات المميتة، ما عمرنا سمعنا واحدا منهم اعترف بخطئه أو خرج علينا معتذرا عن فعلته، إلا يحاجون منتقديهم بعين قوية ويمكن يترصدون لهم!! لا أدري ما هو شعور المدرس الآن، وهو يرى حماس إدارة التعليم في محاسبته لمجرد أنه خرج عن طوره في ساعة غضب، في حين أنها ومنذ سنوات لم تحرك ساكنا تجاه مطالبات المعلمين بحقوقهم وتحسين أوضاعهم، أقسم بالله أنني لا أعرف هذا المدرس، ولكنني شعرت وأنا أشاهده وهو يعتذر للطالب بأنه نعم الرجل، وجل من لا يخطئ. وأخيرا أتمنى أن تطوى صفحة هذا الخلاف، فالحكمة تقول «صلح خاسر خير من حكم عادل»، ذلك أن فصل القضاء يورث الضغائن بين الناس، ومن باب «الأمر بالمعروف» أتمنى تعميم مقطع الاعتذار على بعض الجهات لتوعية منسوبيها.