افترض الدكتور سعيد السريحي أن الذهاب إلى عمق الصحراء العربية في عزلتها وبعدها عن المؤثرات الحضارية ضربا من المصادرة للحواضر العربية، وإن فكرة نقاء اللغة سيطرت على العلماء الذين سعوا إلى جمع شتاتها في المراحل الأولى من التدوين. وأضاف في محاضرته التي ألقاها مساء أمس الأول بالنادي الأدبي بجدة، تحت عنوان «شجاعة العربية وأوهام النقاء» وأدارها الدكتور محمد ربيع، أن العلماء لم يأخذوا من حضري قط ولا من سكان البراري المجاورين لغير العرب من الأمم. وتابع «العلماء راحوا يلتمسون للعربية الخالصة جذورا في القبائل المنقطعة عن المدنية ثم يذهبون إلى ما هو أبعد من ذلك حينما يكون العرب العاربة أمما فنيت، ولم يعد لها وجود في غير كتب الرواة والإخباريين، فهم تسع قبائل من ولد إرم بن سام بن نوح: عاد وثمود وأميم وعبيل وطسم وجديس وعمليق وجرهم ووبار، أما المتبقون عرب متعربة أو عرب عاربة وليسوا بعرب خلص كما يريدون لأنفسهم». وقال الناقد ولنا إن أحسنا قراءة القرآن وتدبرنا لغته أن ندرك كيف أنه جاء نموذجا للغة المتحضرة التي تلتقي فيها الثقافات وتتحاور اللهجات كما كانت تتجاور القبائل وتتحاور الأمم في مكة التي كانت آنذاك أما للقرى بكل ما تعنيه تلك الأمومة من احتضان للتعدد وتسليم بمبدأ التجاور. وعزا السريحي أسباب أوهام النقاء والصفاء إلى أن الذين نقلوا اللغة قد خالطوا غيرهم من الأمم ففسدت ألسنتهم، ولم تسلم قريش من هذه الريبة فلم يسع إليها من سعوا إلى جمع اللغة لأنهم كانوا يرون أن فساد اللسان سبقهم إليها فاختلاطها بالأمم طغى على فصاحتها، ولم يعد بالإمكان التعويل عليها واكتفى العلماء بالإقرار بفصاحتها ثم انحرفوا عنها إلى قبائل أخرى استقوا منها اللسان العربي.