ماذا لو امتلكت كل دولة سلاحا نوويا؟ سؤال جدلي لا تخلو منه قاعات السياسة عند مناقشتها لموازين القوى بين الأمم. تقول الفرضية، لو أن أطرافا متعددة جلست على طاولة واحدة وحاز كل واحد منهم سلاحا مماثلا، لتعادلت لغة الحوار. وفي الوقت نفسه لن يتجرأ أحد على رفع السلاح، لأن المنطق يقول بأن الرصاصة ستعود على المنتحر لا محالة. العقلانية هي الشرط الوحيد لهذه الفرضية. بمعنى أن من بيده السلاح لا بد أن يكون مسؤولا وله سلوك إيجابي وغير عدواني حتى نضمن الاستقرار والثقة على الطاولة! لكن ما هو الحال لو أن الطاولة حضرها طرف ثيوقراطي مثل إيران ولها سجل تاريخي مزعج وسلوك عدواني مع دول الجوار، بالتأكيد فإن كل الأطراف لن تهدأ حتى يمتلكوا نفس السلاح أو حتى يتأكدوا من اقتلاع مسمار جحا من الطاولة. لأكثر من عقد ركضت إيران وحلفاؤها من قوى الشرق من جهة وقوى الغرب من جهة أخرى بين عواصم العالم، لتقنين الاستخدام النووي وإلباسه جلد الحمل الوديع أو ما يسمى بالاستخدام السلمي للطاقة النووية. إيران كانت ترى أن هذا الاتفاق هو النور للخروج من النفق المظلم، أي الحصار الاقتصادي. الهدف الرئيسي من هذا الاتفاق هو رعاية مصالح الدول العظمى وإن لم تتقاطع مع الحلفاء في المنطقة وعلى رأسهم دول الخليج العربي. لكن لماذا لا تثق دول المنطقة بهذا الاتفاق، خصوصا بعد أن قدمت الدول العظمى ضمانات لحلفائها وعلى رأسهم دول الخليج المتاخمة لدولة إيران. الجواب هو أن تاريخ الثورة الإيرانية وقادتها لم يتركوا أي مجال للثقة والأمل بالاستقرار مع الجار. إيران المختطفة من قبل المرشد الأعلى وقادة الثورة ترى بأن دول الجوار وإن كانت ذات سيادة مستقلة فلا بد أن تطالها أمواج الثورة. منذ اشتعال شرار الثورة الإيرانية وتاريخ العلاقات مع دول الجوار لم يخل من تفجير أو تخريب أو حرب منظمة. السلوك الأيديولوجي للثورة الإيرانية يؤمن بأن الدول المماثلة أو القوية على طاولة المنطقة وبالذات المخالفة لها عقائديا يجب أن تذوق العيار الطائش. أما الدول الصغرى فهي لا تتوانى في ممارسة الوصاية عليها فتقوم تارة بالدعم والتمويل للطابور الخامس وتارة بزرع خلايا مهمتها قلب موازين الحكم والسيطرة لصالح طهران. قائمة الحوادث التاريخية لسلوك الحكومة الثيوقراطية مع دول الجوار تطول، لكن أبرزها حينما قلبت إيران «ظهر المجن» على العراق بعد الغزو الأمريكي ومارست لوقت طويل الوصاية باسم الثورة، فقامت بحرق كل من يخالف ثورة طهران. لبنان أيضا عانت الأمرين من وصاية المتعهد باسم الثورة أو ما يسمى بحزب الله، فحول لبنان إلى دولة مترهلة منزوعة السيادة وتدار من طهران عوضا عن بيروت. اليمن هي الأخرى مثال حي تم إحراقه باسم المرشد الأعلى وباسم الثورة! أما الدول الكبرى فلم تتوان إيران بإرسال عناصرها لزعزعة صورتها أمام المجتمع الدولي، فكل شيء يجوز للثورة وإن كانت الجريمة داخل البيت الحرام، ويمتزج فيها الدم ببياض الإحرام. يوما بعد يوم تثبت جارة السوء إيران بأن تقية تعهدات الليل يمحوها النهار، ودول المنطقة لن تكفيها عبارات وتعهدات مذيلة ب«ضمانات»، لإن سلوك إيران لا ضامن له، وإن جنت على نفسها براقش ومارس المرشد الأعلى ومريدوه التجويع والتقشف على الشعب باسم الإمامة! أما الدول الخمس + 1 فلن تقدم مصالح دول المنطقة على مصالحها، وإن جمعتهم العولمة الاقتصادية في بحيرة يغلب الجزر فيها المد. بالتأكيد لن يرتاح كل من في الطاولة ما دام لإيران يد طولى لامتلاك قوى يحكمها سلوك عدواني ومضطرب، فهي جار سوء في دار المقامة! M_Alhassan@ عضو الجمعية الأمريكية للعلوم السياسية