من عالم الشدة والتمييز والإذعان قدم الفوتوغرافي البيروفي مارتان شامبي جمالا إنسانيا استثنائيا يجمع بيت الرقة الشاعرية والواقع القاسي. من خلاله استعاد شامبي كرامة مواطنيه الفلاحين البسطاء. كانت صوره عن البيروفيين محفوفة بنقاء الرؤية وأناقة التناول. مارتان شامبي، واحد من الفنانين الكبار الذين أنجبتهم جبال الأنديز، مبدع حقيقي حافظ على ذاكرة البيروفيين الأصليين، الذين عاشوا قسوة الحياة بين مطرقة طبيعة صعبة وسنديان إقطاعيين متغطرسين. لا بد من الاعتراف بأن شامبي كان فنانا أكثر ثباتا في إنسانيته وأعمق إبداعا في تصويره خلال القرن العشرين. ولد الفنان الفوتوغرافي مارتان شامبي في الخامس نوفمبر 1881 في كوازا (بينو) وتوفي في 13 سبتمبر 1973 في كوزكو (البيرو). شهدت البيرو من أواخر القرن التاسع عشر تغييرات جذرية: تميز الاقتصاد في المقام الأول بتدفق الاستثمارات من الخارج للسيطرة على موارد البيرو الطبيعية (التبغ والنفط والسكة الحديدية...)، فأصبحت هوية السكان الأصليين الذين يشكلون أربعة أخماس سكان البلد مهددة، ما دفع بعض القبائل الأصلية إلى الثورة والمقاومة السياسية ضد الغزو الرأسمالي الأجنبي. وفي هذا السياق المضطرب ولد مارتن شامبي في 5 نوفمبر 1891. في عام 1908، انتقل الى أريكويبا، إحدى المدن المهمة في البيرو حيث ينتشر التصوير جيدا. أصبح متدربا في استوديو ماكس ت. فارغاس، أستاذه الكبير، الذي سيعمل معه تسع سنوات متتالية. هذه المرحلة كانت أساسية لتطوره الفني، بحيث تمكن من عرض صوره لأول مرة، في مركز الفنون بأريكويبا محاطا بالفنانين والمثقفين. يعتبر اليوم أعظم فنان فوتوغرافي هندوأمريكي. ولد في أسرة هندية فلاحية. تعلم صغيرا مهنة التصوير بأركيبا. في 1917 بدأ يعمل لحسابه الشخصي، ثم فتح استوديو في «سيكواني» بعدها رحل ليستقر في «كوزكو»، حيث سينشئ أستوديو (كال ماركيز) في عام 1920. التقى حينذاك مصورا فوتوغرافيا مهما هو خوان مانويل فيغويرا. في هذه المرحلة سيجرب مارتان جميع التنويعات الضوئية التقنية ومارس طرقا مبتكرة لالتقاط شخصياته، التي تغلب عليها البساطة واليقظة ولعل هذه التقنية هي التي ساهمت في شهرته. كما يمكن اعتباره فنانا ملتزما لأن تجربته ساهمت في الدفاع عن الهوية الهندية وفضح ممارسات الاقطاعيين. بلغ شامبي ذروته في التصوير، فتنوعت تجاربه التي انتقلت من الأشخاص إلى المناظر الطبيعية. كان أول هندي أصلي، يخلد شعبه المظلوم في أعمال فوتوغرافية، ذات قيمة عالية فنيا وأنثروبولوجيا. نتوفر اليوم على أرشيفه المتكون من (30000 صورة/وثيقة من مختلف الأحجام، ويعود فضل المحافظة عليها إلى ابنته جوليا التي تقيم في مدينة كوزكو. اكتسب شامبي مهارة فنية فائقة، لكن إتقانه للصورة يعتبرها النقاد الفنيون موهبة طبيعية تولدت من إغواءات الطبيعة الاستثنائية للبيرو التي خبر أسرارها الساحرة. ما بين عامي 1920 و1950، وهي فترة النشاط المكثف لشامبي، بدأت حينما قرر الذهاب إلى جبال الأنديز للبحث عن القضايا التي تمثل الهوية الثقافية الهندية، وحيث خصص كما مهما من الصور جسد فيها بساطة وعفوية السكان الأصليين في احتفالاتهم وأزيائهم اليومية، فضلا عن المناظر الطبيعية والأثرية التي ميزت حضارة الإنكا. كان همه في هذه الفترة أن يسترجع أصوله العريقة التي تبرز ثراء وتنوع الحياة البيروفية. وعلى رغم تأثير المدنية المعاصرة التي دفعت السكان إلى تبني العادات الغربية، إلا أن حساسية شامبي الطبيعية كانت تدفعه دائما إلى أسر متواليات فوتوغرافية، تغرف من ثقافة الأجداد، وطقوسهم الهندية الأصيلة والعريقة. وقد تعرف شامبي على أصوله التاريخية في عام 1927، حينما شارك في رحلة استكشافية نظمها عالم الآثار لويس فالكارسل لموقع ماتشو بيتشو. كانت النتيجة مجموعة من الصور العالية الجودة. تجسد العراقة التاريخية والمخيلة الحضارية الجماعية لمجتمع الإنكا. وقد ساعد نشر الصور على التعريف بمدينة «ماتشو بيتشو» وإطلاع العالم على مدينة لم يكن يعرفها أحد قبل اكتشافها في عام 1911 بواسطة عالم الآثار هيرام بينغهام، أستاذ التاريخ في جامعة ييل. كان الموقع عبارة عن أنموذج رائع لعمارة الإنكا خلال مرحلة ازدهارها. صوره الفوتوغرافية تعبر عن نفسها بوصف البيئة التي عاش فيها مارتان شامبي، ولكنها تتجاوز البعد الطبيعي الخلاب لتصور حياة عصره القاسية، والعذبة أو العبثية. هذه الصور تتجاوز العالم الأنديزي؛ لتكون شهادة عن حساسية للحرفي المتواضع الذي يتحول إلى عملاق عند الوقوف وراء الكاميرا، قوة إبداعية خاصة وحقيقية لإعادة تشكيل الحياة. ليس هناك شك أن صور مارتن شامبي، عرت التعقيدات الاجتماعية لسكان الأنديز. وخاصة المجتمع الإقطاعي في المزارع الجبلية. خلال 30 عاما ويزيد عمل شامبي على تخليد تفاصيل الحياة في منطقة كوزكو، لكن هذا العالم الذي عكف على تصويره حاول أيضا أن يحوله إلى تحف فنية تحمل توقيعه. كل شيء في علبته السوداء: حفلات الزفاف، الاجتماعات، العادات، بؤس الحياة المتواضعة للفلاحين، صعوبة الأعمال الشاقة. الألعاب الرياضية، الرقصات، مصارعة الثيران وطقوس المزارعين المتكررة منذ فجر التاريخ... صور شامبي فرصة لاكتشاف تاريخ الإنسان البيروفي في القرن العشرين وسيرة فنان عصامي تحدى الظروف الاجتماعية الصعبة ليصير مصورا فوتوغرافيا فريدا.