يصف الناس الصحة بأنها كنز، وتاج، وعز، ويمجدونها كثيرا ويرفعون شأنها ليل نهار، لكنهم مهما قالوا عنها، لا يمكن لهم أن يستشعروا جمالها وجلال قدرها وعظمة نعمتها كما يستشعرها المريض الذي أعيته الأدواء. حين يمرض الإنسان يصيبه انقباض في نفسه، وتقبح الأشياء أمام ناظره، فيزهد في كل شيء حوله، في الطعام، والكلام، ومخالطة الناس، ويظل يتقلب مكتئبا لا يدري ما يفعل، وعادة في مثل هذه الحال يكون المريض في حاجة كبيرة إلى لمسة حنان، كلمة حب، ابتسامة تفاؤل، يتلهف إلى أن يجد قلوبا محبة تحيط به، تؤكد له أنه ليس وحيدا في محنته، وأنها تشاركه آلامه وتتعاطف مع جروحه. وربما هذا ما يجعل زيارة المريض من الواجبات الإنسانية المتعارف عليها بين البشر، وربما أيضا لهذا السبب عدت زيارة المريض من أعمال الخير التي ينال عليها الانسان أجرا عند ربه. إلا أنه ليس كل الذين يزورون المرضى يصلحون للقيام بذلك الدور الإنساني الجميل، فليس كل الناس لديهم المقدرة على إراحة المريض والتخفيف من معاناته، وأسوأ من هذا، أن هناك زوارا يزيدون المريض مرضا بثقلهم وانعدام الذوق في أحاديثهم. وفي كتاب (أدب الطبيب) لإسحاق الرهاوي (من أطباء القرن الثالث الهجري)، يفرد صاحبه بابا للحديث عن آداب زيارة المريض، يفصل فيه ما ينبغي وما لا ينبغي للزائر أن يفعله، ومن ذلك: أن لا يدخل الزائر على المريض إلا بلباس نظيف نقي ورائحة طيبة، وأن يدخل عليه بما يسره وتلذه رؤيته، وأن لا يطيل الجلوس عنده، إلا من كان من أصدقائه الخلص القريبين إلى قلبه، فإنه لا بأس بإطالته اللبث عنده، كما عليه تعمد البشاشة في وجهه، والتفاؤل في حديثه، فيبشر المريض بالعافية، ويبتعد عن قول ما يجلب الكدر والقلق، فلا ينقل إلى المريض أخبارا تغمه، ولا يذكر الموت أمامه، أو ينقل إليه خبرا سيئا عن مريض آخر. كذلك يجب عليه أن يحجم عن سؤال المريض عن مرضه وأعراضه وأدويته وما شابهها من الأسئلة التي تضايق المريض ولا يحب أن يجيب عليها. وينتقد الرهاوي بعض التصرفات التي تبدر من الزوار وهي تضر المريض كأن يتطوع بعضهم بوصف أدوية أو أطعمة للمريض يرون أنها مفيدة له وقد تكون لا تناسب حالته فتضره، أو أن ينتقد بعضهم عمل الطبيب المعالج ويعارضه فيما وصفه من أدوية، فيرتاب المريض في مهارة طبيبه ويصيبه القلق والشك في قدرته. فالغاية من زيارة المريض إدخال الراحة إلى نفسه والبهجة إلى صدره، لا إشقاؤه ومضايقته. ما أكثر الذين هم في حاجة إلى قراءة هذا الكتاب من زوار المرضى.