سجل العالم العربي الأمريكي أستاذ الهندسة الكهربائية والكمبيوتر بجامعة مينيسوتا الأمريكية الدكتور عماد العبيني براءة اختراع في تصميم جهاز يعمل بالأشعة فوق الصوتية لمعالجة الخلايا السرطانية والأورام دون تدخل جراحي ودون تدمير الخلايا السليمة. وقال في حوار ل «عكاظ» إن فكرة الاختراع الجديد بالعلاج بالأشعة فوق الصوتية تكمن في جانبين مختلفين عن العلاج بالأشعة المتعارف عليه يتمثل أولهما في السرعة والدقة وثانيهما في التعامل مع الخلايا المستهدفة متناهية الصغر حتى وإن كانت متحركة وغير ثابتة ودون التأثير على الخلايا السليمة. وأوضح العبيني أن هذه التقنية المتقدمة سجلت نجاحا كبيرا عند تطبيقها على الحيوانات الكبيرة التي تتشابه أجهزتها وأنسجتها مع الإنسان إلى حد ما وسيتم تطبيقها على المرضى قريبا، مشيرا إلى تسجيله رسميا في الجامعة باسم مختبر العبيني.. وفيما يلي نص الحوار: • توصلكم للإنجاز الطبي في استخدامكم لتقنية الموجات فوق الصوتية للتخلص من الخلايا السرطانية المريضة دون الخلايا السليمة يفتح آفاقا جديدة أمام الملايين من مرضى السرطان، فما تفاصيل الإنجاز؟ •• ما توصلنا إليه هو التدمير الانتقائي للخلايا السرطانية، ويرجع ذلك إلى مدى تركيز الموجات فوق الصوتية في أحجام متناهية الصغر من المناطق السرطانية المصابة والتى يمكن مقارنتها بحجم حبة الأرز أو بذرة السمسم، وهذه الفكرة كانت موجودة منذ عقود مع تطبيقاتها الأولية التي تبنتها مجموعة البروفيسور وليام فراي في جامعة إلينوي في أوربانا شامبين، فقد أثبتت مجموعة الدكتور فراي دقة هذه التقنية بفنية عالية لا تزال مثالا للكثير من الأبحاث التي تجري حاليا، ومع ذلك فإن نظامهم كان يفتقد القدرة على الحصول على أي ردود فعل في الوقت الحقيقي على الاستجابة للهدف والأنسجة المحيطة بها لأن تكنولوجيا التصوير الطبي لتوفير المعلومات الآنية عن ردود الفعل لم تكن موجودة واستمر الوضع كذلك حتى أواخر الثمانينيات، وعندما توفرت بعد ذلك حلول التصوير بالموجات فوق الصوتية والتصوير بالرنين المغناطيسي للأغراض التشخيصية بدأت مجموعة من الباحثين ومنهم مختبري في جامعة ميتشيغان، بالعمل على استعمال التصوير التشخيصي لتوجية العلاج بالموجات فوق الصوتية المركزة، وكان هذا تطورا مهما ساعد على تقبل هذا النوع من العلاج من قبل الأطباء ولكن لم يكن كافيا من وجهة نظري، فقد كنت مؤمنا بأن التصوير يمكن أن يعطينا معلومات تساعد على التحكم الآني بالموجات المركزة وليس فقط توجيهها. خطوات الأبحاث • ما الخطوات التي صاحبت أبحاثكم؟ •• في منتصف التسعينيات كرست الجزء الأكبر من الأنشطة في بحوثي لتطوير أساليب جديدة للتصوير لتتم في الوقت الحقيقي لها ولتوصيف استجابة الأنسجة للموجات فوق الصوتية المركزة بشكلٍ آني مما يساعد على تعديلها لزيادة الفعالية في الأنسجة المستهدفة، حيث استحدثنا استخدام ما نسميه نظم وضع مزدوج لمجموعة الموجات فوق الصوتية والذي يجمع بين العلاج والتصوير في نفس الوقت (DMUA) وتمكنا من إثبات النجاح في العديد من الدراسات والبحوث التي تمت على الحيوانات التي أجرينا عليها التجارب منذ عام 2010 بهذا النموذج DMUA الذي تم تصميمه وبناؤه باستخدام نظام المختبر هذا من قبل العديد من طلابي في جامعة ولاية مينيسوتا. • هل يمكن أن تعود الخلايا السرطانية من جديد بعد فترة من الزمن إلى ذات المكان بعد العلاج باستخدام تقنيتكم الجديدة؟ •• الطريقة الجديدة واحدة من عدد من التقنيات الأخرى التي تستخدم في العلاج الحراري للسرطان، ولذلك فمن ناحية فهي ليست فريدة من نوعها ومع ذلك يمكن القول إن العلاج بها له مزايا غاية في الأهمية مما قد يجعلها الخيار الأول لكثير من المرضى والأطباء على حدٍ سواء، فهذه الطريقة تعالج الأنسجة المستهدفة دون الحاجة إلى إحداث أي شق جراحي، كما يتميز أيضا عن العلاج الإشعاعي التقليدي أو جراحة الراديو في أنه يستخدم شكلا من أشكال الإشعاع غير المؤين، وهو أمر مهم للغاية من حيث التقليل من الآثار الجانبية في العلاج بالأشعة المؤينة، بالإضافة لذلك فإن هذه الطريقة يمكن استعمالها بدقة عالية لاستهداف السرطان حتى لو كان غير منتظم بالشكل أو توزيع التغذية الدموية، ولهذه الأسباب فقد بات هذا العلاج يعتبر من قبل الكثيرين النموذج المثالي للعلاج في القرن الحادى والعشرين بعيدا عن عمليات الفتح الجراحية لعلاج السرطان، أما فيما يتعلق بسؤالكم حول هل يمكن أن تعود الخلايا السرطانية من جديد بعد فترة من الزمن إلى ذات المكان بعد العلاج بهذا الجهاز، كما يحدث ذلك أحيانا في حالات العلاجات الأخرى التقليدية، فالإجابة على هذا الشق من السؤال هو أننا الآن لدينا فهم عميق لطبيعة استجابة الخلايا للموجات الصوتية المركزة، فهناك الآن آليات تدمير حرارية تؤدي للقضاء على كل الخلايا التي تحصل على «الجرعة» فتحلل البروتينات المناسبة من الطاقة ويمكن تقديرها باستعمال التصوير الآني خلال المعالجة، وهذه الخلايا تموت تماما ولا تتسبب في عودة السرطان، ويتم التخلص منها أو التعامل معها بآليات الجسم المصممة للتعامل مع الخلايا الميتة داخل جسم الإنسان، وهناك أيضا آليات ميكانيكية لقتل الخلايا المستهدفة ولكن هذه الآليات لم تستعمل حتى الآن في علاج السرطان، على كل حال من الأحوال فإن الضمان لعدم عودة السرطان يكمن في تطوير طرق التصوير التي تسمح بتقدير الجرعة العلاجية في الأنسجة المستهدفة، وهذه ربما تكون من أهم مزايا جهازنا. علاج السرطان • هل يمكن للجهاز علاج كل أنواع السرطان أم أن هناك أنواعا يصعب على الجهاز الوصول إليها أو التعامل معها، وهل الجهاز له فعاليته تحديدا في علاج سرطان الثدي لدى النساء والمنتشر بصورة غير مسبوقة في أنحاء متفرقة من العالم. •• كل أنواع الأورام الصلبة التي يمكن للجهاز تصويرها يمكن له معالجتها، فالجهاز لديه القدرة على معالجة هذه الأورام باستخدام الموجات فوق الصوتية المركزة، بمافي ذلك أورام الثدي والكبد والعديد من الأورام الأخرى، كما أؤكد أيضا أن هناك بالفعل أجهزة الموجات فوق الصوتية العلاجية المستخدمة في بعض التطبيقات السريرية والتي وافقت عليها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA، وتتميز هذه التطبيقات باستهداف أورام يمكن الوصول إليها بسهولة، كما أنها لا تتطلب درجة عالية من دقة الاستهداف، على سبيل المثال سرطان البروستاتا والورم الليفي في الرحم (نمو غير سرطاني)، ولكن سيكون لدينا اختراع يسمح بالتوسع في الاستخدام السريري للموجات فوق الصوتية المركزة لعلاج الأورام مع الوصول إلى أهداف أكثر تعقيدا وتتطلب استهدافات عالية الدقة، على سبيل المثال أورام الكبد وأورام الثدي، فحتى الآن تم استخدام هذه التقنية العلاجية على الحيوان. موافقة هيئة الغذاء • ماذا بشأن حصولكم على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA لاستخدام التجربة على الإنسان، وفي أي مرحلة من مراحل البحث يجب الحصول على موافقة تقنية استخدام هذه الجهاز على الإنسان؟ •• بالطبع، فجميع الشركات المنتجة لهذه الأجهزة أو التي تستخدمها للعمل على الأنظمة السريرية التي تستخدم هذه التقنية لابد لها من الحصول موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA أو على الجهة الأوروبية المعروفة باسم CE Mark وهي الجهة التي تؤكد بأن المنتج يتبع قوانين الجودة والأمن والسلامة الموجودة في دول الاتحاد الأوروبي، وفي حالة الحصول على أي من أو كلتا الموافقتين سيكون من الأسهل تسويق الجهاز في جميع أنحاء العالم، كما أن الحصول على موافقة إدارة الأغذية والدواء الأمريكية دائما ما يمثل المسار الأكثر صعوبة للموافقة عليه في هذه المرحلة من الزمن، ولكن معظم الشركات عادة ما تذهب أولا إلى CE Mark، ولكن على كل حال الموافقة الكاملة هي عادة ما تذهب لجهة تتم بعد انتهاء الدراسات السريرية الأولية ويتطلب ذلك توفر معايير الأمان والفاعلية من خلال توثيق لبيانات هذه المعايير. • العالم المصري الأمريكي الدكتور مصطفى السيد والذي كرمه البيت الأبيض في العقد الماضى تحدث في أجهزة الإعلام العربية والأمريكية عن علاجه للسرطان بمعدن الذهب، ولكنه على ما أعتقد مازال في طور التجارب السريرية، هل جهازكم من شأنه أن يلغي ما قبله من علاجات للسرطان بكل أشكاله. •• فكرة اقتراح استخدام جزيئات الذهب لعلاج الورم ظهرت لأكثر من عقد من الزمان، ولكن لا تزال تجرى البحوث في محاولة لتطويرها من قبل العديد من المجموعات، وإنجازات البروفيسور السيد في هذا المجال مشهودة ونحن نفتخر بها، وأشير في هذا الصدد إلى تعاوني مع زميلة في ولاية مينيسوتا البروفيسورة جون بيشوف من دائرة الهندسة الطبية، ونشرنا معا عدة أبحاث على استخدام الموجات فوق الصوتية لتشخيص تأثير هذا العلاج على الأوعية الدموية في الورم المستهدف، وهذا موضوع مهم حيث إن توزيع الأوعية الدموية في الورم يشكل تحديا مهما لهذا النوع من العلاج على سبيل المثال، واحدة من التحديات للعلاج بهذه التقنية بشكل عام هو قلة فاعليتها في معالجة الأورام التي يكون توزيع الدم فيها سيئا أو غير منتظم، ومع الأسف الكثير من الأورام لها هذه الخاصية مما يشكل تحديا حقيقيا أمام تطبيق تكنولوجية النانو في العلاج السريري. هذه التحديات يتم التعامل معها باستعمال أكثر من طريقة واحدة في العلاج بحيث تكمل هذه الطرق بعضها البعض، مثلا العلاج بالأشعة والكيماوي، والعلاج بالموجات فوق الصوتية المركزة، مثله مثل بقية الطرق الأخرى، له ميزاته الفريدة ولكن له حدوده في استهداف بعض الأورام، وأحد من أهداف بحوثنا أن نضع أجهزة في أيدي الأطباء المختصين لتوفير أفضل معالجة ممكنة للمرضى الذين يشكون من حالات متقدمة من السرطان، وهذه الأجهزة قد تجمع بين استخدام الموجات الفوق صوتية والعلاج بالنانو كما ذكرت سابقا، وشخصيا أعتقد أن العلاج بأكثر من طريقة في آنٍ واحد سيبقى ضروريا في الحالات المستعصية في المستقبل المنظور. جائزة نوبل • هل لجامعة مينيسوتا أن تخاطب لجنة جائزة نوبل لترشيحكم وفريق بحثكم لنيل الجائزة باعتبار أن العلاج بالجهاز قد حقق نسبة عالية في الشفاء غير مسبوقة في علاج هذا المرض؟ •• نحن فخورون للغاية بما تم إنجازه حتى الآن، إلا أن الطريق أمامنا مازال طويلا، ونحن نتوقع أن نواجه العديد من التحديات الهندسية والطبية التي تتطلب تضافر الجهود المتعددة من التخصصات لإنتاج الأجهزة التي يمكن استخدامها من قبل الجراحين ومن قبل أطباء الأشعة التداخلية، أو من قبل أطباء الأورام مع درجة عالية من الثقة، فالجهاز الذي لدينا هو قطعة واحدة كبيرة الحجم من الألغاز ومن شأنه أن يتطلب العمل الجاد إضافة إلى عبقرية العديد من الباحثين والأطباء في جميع أنحاء العالم، والترشيح لجائزة نوبل سابق لأوانه في هذه المرحلة، كما أن بعض المستفيدين من هذه الجائزة قد تحقق لهم هذا التكريم وهم في سن التقاعد أي بعد سنوات من إنجاز عملهم وبعد سنوات من تأثير دراستهم أو اختراعاتهم ليصبح أمر ذلك واضحا، وبالنسبة لنا ولطلابنا فلدينا بالفعل كل الرضا بمعنى أننا قمنا بأخذ أفكارنا إلى الأمام من حلم كان بيننا في عام 1995 إلى حقيقة واقعة بين الأعوام من 2010 إلى 2015 ومكافأتنا هنا تكمن في الرحلة ذاتها.