كانت تلملم حاجياتها لترحل حين هتف داخلها صوت يقول: لا جدوى من أي شيء، سوى السكون في حضرة الموسيقى. آه شكرا للسماء لأن المطر موسيقى، وزقزقة العصافير موسيقى، وارتطام الشلال بالصخور موسيقى، بودي لو أستطيع أن أحتفظ بكل هذا، أخبئه بعيدا عن أعين الحمقى، أحج إليها وحدي كلما النفس ضاقت من هذا الوجود، لا أحد يستحق أن تشاركه الجمال في هذا العالم سوى من تحب، وهذا الأخير شنق نفسه قبل أربعة أشهر في نافذة مكتبه الحقير، الواقع في قبو مبنى ما، ولم يعرف بموته أحد سوى بعض الكلاب الشاردة التي مرت من هناك، وشمت رائحته العفنة من النافذة الصغيرة التي تمتلئ إلى نصفها بأوراق الخريف، وبقايا قاذورات علقت بفعل الريح، أبلغتني الكلاب وأنا نائمة، فاستيقظت سعيدة لأن هذا القيد انكسر، ثم صنعت لي قهوة في ذلك الصباح، كثيرا ما أمارس ادعاء الزهايمر حين أكون وحدي، رائحة جثة تزكم أنفي من المطبخ إلى الصالة إلى مكتبي، التقطت ورقة وقلما، لأكتب شيئا ما لا أتذكره على أية حال قد تكون تفاهات عن الحب، وبغير قصد إصبعي الصغير العالق منذ ولادتي بيدي اليسرى كان قريبا من فنجان القهوة، فسكبه بالكامل على تلك الصفحة البيضاء، ذهبت مسرعة لأجلب أي شيء لأنظف به هذه الفوضى، عدت لأرى خطوط القهوة رسمت على الورقة البيضاء مشنقة ورجلا رأسه يتدلى وقدماه تتأرجحان في الهواء وبيده يحمل رسالة ويمدها أمامي مباشرة، ارتعبت، خفت كثيرا، بدأت أطرافي تنتفض، إذن لم يكن مجرد حلم تلك الكلاب السوداء، مددت يدي بالفعل حررت الرسالة من يد الجثة، والرجل لازال رأسه للأسفل حتى أن بعض القهوة تنزل من جبينه على إحدى قدميه المتدلية، مددت يدي وقد أصبحت كتلة من السخرية والشعور بالكره العميق لهذه الجثة المتدلية، أمسكت الرسالة فاختفت تماما خطوط القهوة من على تلك الورقة البيضاء، كأنها لم تكن. يداي ترتجفان، زالت السخرية تماما أصبحت غاضبة من هذا المجهول، فتحت الرسالة بسرعة كبيرة بحثت عن شيء أي شيء !، أي كلمة، اعتذار ، عتاب، أي شيء ، أي شيء يمكن للمرء كتابته في يومه الأخير، بل في لحظته الأخيرة، فتشت الورقة سطرا سطرا، لا أثر لحرف واحد، يا لهذه الجثة المستفزة، وفي حالة عصبية شديدة قذفت بكل شيء أمامي على المكتب، ألتفت يميني لأسكب لي فنجانا آخر، وجدت فنجاني الملآن لم يسكب منه قطرة واحدة....!!.