ليس هناك أكثر بلاغة وإيلاما من قول الإمام علي: (لو كان الفقر رجلا لقتلته). ومن نقاط ضعفي انني سرعان ما انهار أمام رؤية أي شحاذ يمد لي يده، غير أن بعض المواقف التي مرت علي مع الشحاذين (المزيفين والمحترفين)، جعلتني اكثر قناعة أن الفقير العفيف الذي لا يمد يده، هو الذي يستحق أن أفرش له جناح الذل من الرحمة والتضحية. ومن سوء الطالع أن (الشحاذة) أصبحت اليوم مهنة من لا مهنة له، ولم تعد مقتصرة على الثياب القديمة المهلهلة، بل تفتقت قريحة بعض المبدعين إلى أساليب لم تكن تخطر على البال، ومنها. انني يوما وقفت بسيارتي في محطة البنزين لكي أعبيها، وإذا بسيارة (GMC) تقف خلفي وينزل منها شاب أنيق ويقول لي: إن محفظتي فقدت وأرجوك أن تساعدني على تعبئة سيارتي، فصدقته وتعاطفت معه لا شعوريا وأعطيته (50) ريالا، فأراد أن يردها وهو يقول لي: إنني لا أشحذ (فتانكي) سيارتي لا يعبيه أقل من (75) ريالا، وأمامي سفر طويل إلى (حفر الباطن)، وأردف قائلا وكأنه يقرعني: (ارحم عزيز قوم ذل) يا أخي، ساعتها عرفت أنه (نماك)، فحاولت أن أخطف الخمسين من يده، غير أنه كان أسرع مني عندما وضعها في جيبه، وركب سيارته وفحط بها أمام وجهي، وعرفت فيما بعد من عامل المحطة أن ذلك الرجل يستخدم تلك (الأسطوانة) يوميا أمام الزبائن. وموقف آخر عندما توقفت أمام (الصراف) وسحبت (3000) ريال، وبعد أن انتهيت أتاني أحد الشحاذين يمد لي يده، فقلت له بكل غباء: آسف ما معي فلوس، فابتسم بوجهي وكأنه يقول لي: (كفشتك) دوبك صارف، وحيث ان الأوراق النقدية كانت من فئة المائة ريال، فخجلت من نفسي وأخذت (ابحبش) بجيبي وأعطيته عشرة ريالات، فقال محتجا: بس عشرة، اعطيني ورقة من الأوراق التي صرفتها لا تصير بخيل، ويبدو لي أنه كان (فيلسوفا) أكثر من اللازم وذلك عندما اتبعها قائلا: انت فين حتودي فلوسك، هل حتاخذها معك للقبر ؟!. و(اسخم) منهما شحاذ من شرق أفريقيا، كنت أواجهه دائما في شوارع باريس، ولا يطلب غير ثمن لقمة تسد رمقه، ثم يتبعها بآيات من القرآن الكريم، ورحمته وبدلا من أن أعطيه مبلغا زهيدا، أردت أن أكرمه فعزمته في أحد المطاعم، وما راعني إلا أن يطلب لحم خنزير مع كأس مترع من (البيرة). تداعت لي تلك المواقف عندما قرأت، أن متسولا مصريا من (بني سويف) عندما قبضوا عليه وحققوا معه، وجدوا في أرصدته أكثر من ثلاثة ملايين جنيه إلى جانب عمارتين دخلهما سنويا أكثر من (400) ألف جنيه !!. أحد المتسولين من الأجانب في الرياض عندما قبضوا عليه، وهو يبيع الورود تمويها أمام الإشارات، عرفوا منه أنه يكسب يوميا ما بين (150) و(250) ريالا، وفي (الويك إند) قد يصل ربحه إلى (500) ريال. المشكلة أن هناك (عصابات) محترفة لها جنودها، فغدونا لا نعرف الصالح من الطالح، ولا الصادق من الكذاب..