أفضل للجميع أن لا تسألوني عن مرارتي ولا عن المكان الذي كنت أتواجد فيه ولا عن اسمه.. كل ذلك مضيعة للوقت ومخاطر مجانية.. الإحراج يخجلني وأنا أكتب لكم عن الواقعة ولكن لا خيار لدي فالوضعية معقدة وقد لا أكون الوحيد العارف بخباياها فالقصة بكاملها في مظهرها غير معقولة ولكنها في العمق ليست كذلك.. تستحق أن أقصها بكل تفاصيلها لأنها حتما تختلف عن كل ما حكيته لكم قبل هذا المقال وأهمية هذه الحادثة أنني قضيت العمر كله أجهد نفسي لأكون مواطنا صالحا بأتم معنى الكلمة ولكن الظاهر أنني فشلت فشلا ذريعا.. سأبدأ بالكلام المتدفق من داخل القلب كشلالات من نار وأترك لكم البقية لملء الفراغات ونقاط الصمت وطرح التغير المستطاع.. عرفتموني ككاتب أنني قدر المستطاع أتحاشى حشر أنفي في ما لا يعنيني مطلقا إلا أن ماحدث لي كان يعنيني تماما وأخرجني من مبدئي المفروض علي كالقيامة لأتقيا هذا الدود الذي ينخرني من الداخل.. ذهبت لأبتاع احتياجات زوجتي التي قلما تأتي «لجدة» لذا فالتسويق النسوي لدي كسماء منسية.. استوقفني حارس الأمن المنتصب ببنية قوية تحاذي المترين تقريبا ومئة كيلو من العضلات كان يقف على باب مركز التسويق الوحيد .. قال لي بتشدق واضح ممنوع دخول الرجال العزاب دون أنثى اجتاحني إحساس غريب شعرت بخيبة والخيبة تقتل جملا حاولت أن لا أنفعل أو أغضب فالإنسان عندما يغضب يصبح كل جسده سما وكلامه يتحول لعضة أفعى عمياء، أجبته بطيبة أهل النفوس المتسامحة أنا ياابن آدم مواطن ستيني أتقضى لزوجتي التي طحنتها ماكينة المرض الساحقة فهذا ما أفعله لها في كل أنحاء العالم أرجوك اسمح لي بالدخول فما في القلب لايعرفه إلا القلب وحتى إن أحضرتها معي فهذا المركز كما يبدو يفتقد لأبسط عناصر مساعدة أصحاب الاحتياجات الخاصة، كانت كلماتي تتساقط من فمي كالأمطار الشتوية وهي تنشئ على سطح أملس وتنحدر، أجابني بتجهم مثل الغائب عن وعيه وهو يغرس نظره في نظارتي هذا هو النظام، ظل ينظر إلي دون أن يستوعب سبب اشتداد حزني .. في هذه الأثناء مرت بقربي إحدى تلميذاتي القدامى حيتني ثم سألتني عما أفعل هنا قلت لها أرغب في التبضع لزوجتي وهذا الرجل يمنعني من الدخول إلا أن تكون معي سيدة، قالت لي بعفوية مطلقة تعال معي سأدخلك المركز.. كان صعبا علي تصديق ما سمعته ولكنني استقبلت ذلك بفرح فضولي غامر وعلى الرغم من أنني لم أكن مهيئا لمهمة كبيرة بهذا الحجم تتجاوز إمكانياتي المتواضعة إلا أنني وجدتها فرصة ذهبية.. رافقت تلميذتي الجريئة وأنا أحس بتأنيب الضمير إلا أن فكرة واحدة كانت تسكنني وهي أن أعود لزوجتي بما تريد.. دخلت السوق وأنا أردد إذا كنت مقتنعا لا تلتفت وراءك وهذا مافعلت.. رجل الأمن بقامته الفارعة وملامحه الضائعة وعينيه الصغيرتين اللتين تشبهان عيني ديك ولا يبدو عليهما أي نوع من الارتباك وللغرابة الشديدة أو أدنى مفاجأة وكما لو كان الأمر يتكرر أمامه ومعه باستمرار وكل يوم.. دخلت السوق وأحاسيس غريبة تحتلني وأنا أتسوق.. أحاسيس حزينة غامضة أحسست في لحظة من اللحظات أن هذا العالم يتهاوى أمامي وينهار مثل الخراب لأصوت في هذا العالم المفتون غير صوت النفاق الاجتماعي المحض لقد عشت حالة من الذهول فيستحيل علي أن أتخيل نفسي أتجول هنا بمساعدة تلميذتي التي كذبت أمامها لابد أنها حالة من الجنون غير المحسوب تقمصت الفرد منا لتمنحه مقاومة داخلية لارتكاب مثل هذا التجاوز في محيط ألا معنى والعبث الذي يجعل «دكتور ستيني» يصطحب تلميذته لتمنحه شرعية الدخول للتسوق، كنت خائفا عليها وعلي ولكن كان علي أن أغمض عيني خصوصا أنه لم يترك لي خيارات كثيرة وبحركة آلية فرغت مما جئت من أجله شكرت منقذتي .. تركتها لأكتب لكم هذه القصة التي أرويها لكم وفي حلقي مذاق مر وجراحات عميقة كالخيبة مع أنها قصة اعتيادية تحدث كل يوم كما يبدو إلا أنني كلما تذكرتها زادت تكسراتي.. هل نستطيع ياسادة أن نجد مخرجا مشرفا لهذا المأزق الذي صنعناه بأيدينا بدلا من أن نضرب كفا بكف مثل نساء القرية وهن يقصصن حكاياتهن على جارتهن كل يوم بغرابة وأسى.. ما هو الحل ياسادة !!.. [email protected]