تكاد إسرائيل - والداعمون لها - أن تحظر على العرب حتى دراسة الفيزياء والكيمياء والهندسة، كي لا يستغلوا معرفتهم في هذه العلوم لإنتاج أسلحة دمار شامل، وبخاصة الأسلحة النووية.. لأن ما يعتمل في صدور العرب من غبن وقهر تجاه الصهاينة، قد يدفع العرب – أو بعضهم – لاستخدام هذه المعرفة ضد عدوهم الأول (لاسيما أن هذا العدو يشهر نفس السلاح ضدهم).. وفي ذلك تهديد (خطير ) ل «أمن إسرائيل»..؟!! إن من عجائب العلاقات الدولية الحالية، أن تضع دول عظمى كل ثقلها.. لكي تضمن «تفوق» وهيمنة دويلة مصطنعة - في كل المجالات، ومنها التسلح بكل أنواع الأسلحة الإستراتيجية. وفى ذات الوقت، تعمل كل ما بوسعها لإضعاف الطرف الآخر – العرب – والحيلولة دون نهوضه.. حتى لا يهدد إسرائيل، وحتى تمسي بلاده لقمة سائغة للصهيونية، وأطماعها الاستعمارية البغيضة. وتتجلى هذه العجيبة في : فلسطينوالعراق، وغيرهما. كما تتجلى بوضوح أكبر في: مسألة التسلح النووي. ففي الوقت الذي يسمح فيه لإسرائيل بامتلاك حوالي 300 رأس نووي، ووسائل حملها وقذفها في دائرة كبرى.. تكاد تغطى كل العالم العربي، فإن الغرب الداعم يقيم الدنيا ولا يقعدها إن شرعت إحدى الدول العربية في أبحاث نووية، أو فكرت في امتلاك بنية نووية للأغراض السلمية ؟!. **** لقد امتلكت إسرائيل قوة نووية ضاربة، بدعم غربي تقني وسياسي شامل. ومازالت ترفض حتى مجرد خضوع بعض منشآتها النووية للتفتيش الدولي، وتصر على عدم الانضمام إلى «اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية» (NPT)، وتسخر من كل المحاولات العربية (والإقليمية والدولية) الداعية لإقامة «منطقة شرق أوسط خالية من السلاح النووي». أما العرب، فقد وقعوا الاتفاقية المذكورة، وصادقوا عليها، دولة بعد أخرى. ومع ذلك، مازالت بعض الأوساط الغربية تعمل على : ضمان خلو العالم العربي من أي معرفة نووية تقنية تذكر. ورأينا ما عمل تجاه العراق (بإيعاز من دوائر صهيونية معروفة) لمجرد أنه كان لديه بعض العلماء القادرين على تطوير سلاح نووي.. ومجرد احتمالية حيازة العراق للخيار النووي، في المدى الطويل. *** ومن الأمثلة على هذا التحامل هي: الأقاويل التي أثيرت مؤخرا، من قبل بعض وسائل الإعلام الأمريكية المتصهينة، بأن المملكة لديها منشآت ومواد نووية خطرة، وانه ينبغي إخلاؤها من هذه التقنية. وهي أكذوبة.. لم يكن هدفها سوى حجب الأنظار عن إمكانات إسرائيل النووية. وربما التغطية أيضا على عيوب الاتفاق النووي الاخير بين إيران ودول 5+1.. بينما يؤكد المسؤولون السعوديون دائما عدم وجود أي قدرة نووية لها بعد عسكري بالمملكة، بل وانعدام الرغبة في التسلح النووي (رغم التهديدين الإسرائيلي والإيراني) خاصة أن المملكة وقعت وصادقت على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، وغيرها من الاتفاقيات المنبثقة عنها. كما أن هؤلاء المسؤولين كثيرا ما يلفتون الأنظار إلى إسرائيل، وموقفها المشين في المسألة النووية. بينما المملكة هي في طليعة الدول الداعية لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية فقط. *** إن السياسة النووية السعودية الراهنة حكيمة، وملائمة – بصفة عامة – للأوضاع النووية والسياسية، المحلية والإقليمية والعالمية، ومؤكدة على محبة السلم. ومع ذلك، فإننى – كمواطن عربي سعودي – أرى أن لا تبقى «البنية النووية» السعودية (أي: مجموع العلماء والتقنيين، والمنشآت النووية) معدومة، أو ضئيلة جدا. بل أتمنى أن يسعى لتطويرها.. لتتلاءم والمستوى العلمي والتقني الذي وصلت إليه البلاد، وان يستمر هدفها – كما هو حاليا – هو: استغلال القوة النووية للأغراض السلمية المختلفة. أما الخيار النووي العسكري، فإن المملكة قد استبعدته تماما. ولكن إصرار بعض المعادين، وفي مقدمتهم إسرائيل (وهي على مشارف حدودنا الشمالية الغربية) وأيضا إيران (الجارة من الشرق) على تملك هذا الخيار، ربما يجعل من المنطقي إعادة النظر في هذا الاستبعاد لاحقا، خاصة إذا لم يتم التوصل إلى السلام العادل المنشود بالمنطقة. أقول ذلك تأييدا لما جاء في مقال أخي الاستاذ محمد الفال بهذا الخصوص، في هذه الصحيفة (يوم 28/7/1436ه، ص 5، بعنوان: بناء القوة الذاتية). بالفعل، لابد من العمل دائما لبناء وتقوية الذات، والاحتفاظ بكل الخيارات الممكنة..