ما الذي يجمع بين هذه السيناريوهات المختلفة؟ - مبنى مستشفى جاهز من الخارج من غير وجود كادر صحي لتشغيله. - مستشفى يعاني من نقص حاد في عدد من الأدوية. - مستشفى يعاني من مشكلات مع شركة الصيانة والتنظيف. - مختبر يؤخر نتائج تحاليل المرضى لوقت طويل بسبب عدم فعالية الأجهزة. - مشاريع صحية متعثرة. الجواب هو: جميع السيناريوهات السابقة تشترك في ضعف (أو غياب) استراتيجية إدارة سلسلة الامداد. إدارة سلسلة الإمداد (Supply Chain Management) هو تخصص مهم معني بإدارة ومتابعة المواد الأساسية من عناصر مادية (وأيضا بشرية) وخدمات، من بلد الانتاج لبلد الاستهلاك (أو من نقطة البداية إلى نقطة النهاية) والتي تستخدم لإنتاج القيمة النهائية (Value) للمستهلك، سواء كانت هذه القيمة جهازا طبيا، أو صيانة مستشفى، أو دواء جديدا، أو تشغيل مستشفى جديد، أو حتى تزويد عناصر بشرية من الكادر الصحي!. لا أبالغ إذا قلت إن الكثير من المشكلات الموجودة في القطاع الصحي ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بموضوع إدارة سلسلة الإمداد، فخذ على سبيل المثال بعض هذه الصور : - صيانة المستشفيات: فالتطبيق الصحيح لإدارة سلسلة الإمداد، يكون بأن يتم تعريف القيمة التي سوف تقدمها شركة الصيانة للمستشفى بشكل واضح ومحدد في العقد، والعمل على وضع تصور واضح للخطوات الاساسية التي ستتم بها عملية الصيانة من تزويد عدد كافٍ من عمال الصيانة، ووضع آلية تضمن عملهم بسلاسة وفاعلية، وتقييم أدائهم، مع وضع خطط بديلة في حال عدم قيامهم بالمطلوب منهم بشكل صحيح. عندها سنقلل من الكثير الحوادث السلبية التي تحدث مع شركات الصيانة (سواء المتعلق منها بالميكروبات أو الحشرات!). - تشغيل المستشفيات: فالتطبيق الصحيح لإدارة سلسلة الإمداد هنا، يكون بأن يتم تعريف القيمة التي ستترتب للمجتمع وهي تشغيل المستشفى، ومن ثم وضع استراتيجية وخطة زمنية واضحة تعمل على التأكد من أن الموارد البشرية من (إداريين وكوادر صحية) ستكون جاهزة ومتوفرة في الوقت الذي ستتوفر فيه الموارد المادية من (مبنى، وأدوية وأجهزة ومعدات طبية). وياحبذا أن ينظر لمصادر الكوادر الصحية من كليات طب، وتمريض، وتقنية طبية (في الداخل) أو بلدان استقدام الكوادر الصحية (في الخارج) على كونها نقطة البداية في سلسلة إمداد الموارد البشرية، على أن تكون نقطة النهاية هي إعلان التشغيل الفعلي لأي مستشفى. فالتعامل مع موضوع الموارد البشرية الصحية من منظور إدارة سلسلة الأمداد يساعد صانعي القرار على استشراف المستقبل بطريقة أفضل والتنسيق مع مصادر الكوادر الصحية (داخليا وخارجيا) بشكل يضمن توفر هذه الموارد البشرية في الأوقات المناسبة، مما سيساعد في التقليل من تعثر الكثير من المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية لأسباب متعلقة بعدم توفر الموارد البشرية!. بعض الدول التي تمارس استراتيجيات إدارة سلسلة الإمداد بطريقة جيدة، تعمل على دعم بعض كليات الطب والتمريض في الدول المصدرة للكوادر الصحية مثل الفلبين أو الهند لضمان جودة الكم والكيف للممارسين الصحيين القادمين لها من هذه الدول. (أعتقد أن دول الخليج تستطيع أن تعمل على استراتيجيات كهذه في بعض الدول العربية لتفيد وتستفيد!). ماذكرت أعلاه ليس إلا مثالين للعديد من الأمثلة التي يمكن سردها كنماذج عملية لتطبيق استراتيجيات إدارة سلسلة الإمداد بطريقة فعالة في القطاع الصحي، مما يمكن صانعي القرار، من فهم النظام الصحي والعوامل المؤثرة فيه بشكل أفضل، ويؤدي بالنتيجة إلى اتخاذ قرارات مبنية على براهين وأسس علمية واضحة تساعد في تحسين وضع القطاع الصحي. هنالك أوجه كثيرة لتطبيق إدارة سلسلة الإمداد في القطاع الصحي نذكر منها على سبيل المثال، لا الحصر: شراء المعدات والأجهزة الطبية، شراء الأدوية الطبية، بناء المستشفيات، عقود التشغيل والصيانة، عقود التقنية الطبية. وأضيف إلى هذه المجموعة توفير الموارد البشرية الصحية. لن يتمكن القطاع الصحي، بالوضع الحالي، من وضع استراتيجية عملية وفعالة لإدارة سلسلة الإمداد، لأسباب كثيرة أهمها يكمن في غياب التنسيق الفعال بين مكونات النظام الصحي السعودي من منظمين، وممولين، ومقدمين للخدمة الصحية. لذا فإن الحل يبدأ بالعمل على إعادة هيكلة القطاع الصحي تحت مظلة المجلس الصحي السعودي (مجلس الخدمات الصحية سابقا) والعمل على تحويل هذا المجلس إلى مجلس تنفيذي برعاية كريمة، وإعادة صياغة الاستراتيجية الوطنية الصحية بطريقة تتماشى مع التحديات المقبلة مما يضمن جودة الخدمات الصحية وسلامة المرضى..