في مثل هذا اليوم في السنة الثانية من الهجرة، انتصر جيش المسلمين بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم على جيش قريش في غزوة بدر الكبرى، التي لا تزال ذكراها خالدة، فتبوأت موقعا رياديا في التاريخ الإسلامي وفي أفئدة المسلمين. وتأتي ذكرى معركة بدر الكبرى، كأول نصر للمسلمين، والأمة الإسلامية في محن وأزمات وانقسامات، ويؤكد العلماء أن دروس المعركة في صدر الإسلام الأول لا بد من إنزالها على واقع الأمة الإسلامية، لتستفيد منها الأجيال الحالية في كيفية التسامح والسلام والانتصار للشريعة الإسلامية التي أطلقها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في هذه المعركة الفاصلة. يعود سبب الغزوة إلى أن كفار قريش اضطهدوا من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين، ممن أرادوا اللحاق به إلى المدينةالمنورة، حيث إخوانهم من الأنصار، وفتنوهم في دينهم وطردوهم من مكةالمكرمة، وجردوهم من أموالهم حتى أصبح المسلمون في مكة ما بين مفتون في دينه ومعذب في أيدي المشركين وبين هارب في البلاد فرارا بدينه، فتجبر كفار قريش على الله عز وجل وكذبوا ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، فجاء الوحي الرباني بالإذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتال انتصارا للعدالة، وإحقاقا للحق، وردعا للظلم والطغيان، الذي مارسه المشركون ضد المستضعفين من المسلمين الفارين بدينهم، وتبعا لذلك جاءت تفاصيل الأحداث لتؤكد بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ولن يرض بالمهانة والذل لأصحابه، لتتسارع بعدها وتيرة الأحداث شيئا فشيئا باتجاه المواجهة. وعند هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة تركوا أموالهم وبيوتهم في مكة فاستولى عليها كفار قريش، فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستولي على عير لقريش كانت قادمة من الشام إلى مكة، فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم ب 300 ونيف من أصحابه فكانت المعركة التي انتهت بنصر مبين للمسلمين الذين قتل منهم 14 رجلا ثمانية من الأنصار وستة من المهاجرين، وتكبد المشركون شر هزيمة وتفاقمت خسائرهم وفروا مذعورين من المعركة بعد أن قتل منهم 70 رجلا وأسر 70، لتبقى هذه المعركة نصرا ودرسا خالدا على مر العصور وتقادم الأزمان. ومن المآثر لغزوة بدر الكبرى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طلع المشركون لمقابلة المسلمين في معركة بدر (اللهم هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها جاءت تحادك وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني)، وقام عليه الصلاة والسلام ورفع يديه واستنصر ربه وبالغ في التضرع ورفع يديه حتى سقط رداؤه وقال: (اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض بعد). الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، مفتي عام المملكة، قال: «في رمضان وقعت معركة بدر الكبرى وكان يوما مشهودا ويوما عظيما، قاتلت الملائكة فيه مع المسلمين، وانتصر المسلمون وقضوا على سبعين رجلاً من صناديد قريش وألقوهم في بئر بدر، وكانت أول معركة فاصلة، وأول معركة قاتل فيها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وظهر فيها الحق وعلا، وانخذل فيها الباطل». وأضاف سماحته: «القتال في معركة بدر كان لأجل الله تعالى ولإعلاء كلمته وأن قتال المسلمين ألغى الأحساب والأنساب، ولم يبق إلا صلة الإيمان والعمل الصالح فقاتل المسلمون أقاربهم وأرحامهم في ذات الله». ستظل «بدر الكبرى» معلما عريقا ودستورا منيرا للدعاة والمصلحين والمجاهدين في معاركهم مع الباطل، ومرجعها مهما لتجلية العلاقة بين القائد وجنده، والأمير وجيشه، كما يؤكد ذلك العديد من الشرعيين والمتخصصين في الدراسات الشرعية والاستراتيجية. موقع الغزوة.. معالم تاريخية وحضارية من حيث المكان؛ فإن «بدر» محافظة تقع جنوب غرب منطقة المدينةالمنورة، متميزة بموقعها البارز بين 4 من أكبر مدن المملكة هي (مكةالمكرمة، والمدينةالمنورة، وجدة، وينبع الصناعية)، وتقدر مساحتها بنحو 8186 كيلو متر مربع، فيما يبلغ عدد سكان المحافظة ومراكزها أكثر من مئة ألف نسمة، ويستقبل موقع الغزوة الكثير من الزوار من مختلف أنحاء المعمورة، لزيارة مسجد العريش وهو من أبرز معالم المحافظة، إذ كان بمثابة مركز قيادة المسلمين أثناء معركة بدر وهو المكان الذي صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء غزوة بدر تحت عريش من النخل فبني المسجد وسمي بالعريش، ومن أبرز معالمها «مقبرة الشهداء» التي تضم شهداء معركة بدر، ويبرز فيها «العدوة الدنيا» وهو مكان قدوم المسلمين من المدينةالمنورة، و «العدوة القصوى»، وهو مكان قدوم المشركين من مكةالمكرمة، و «جبل الملائكة» و «الواجهة الساحلية على البحر الأحمر»، وغيرها من الشواطئ. واشتهرت محافظة بدر منذ عصر الجاهلية بموقعها الاستراتيجي على طريق القوافل التجارية المتجهة للشام من مكة والطريق القادم من المدينة إلى ميناء المدينة القديم على البحر الأحمر مما جعلها أحد الأسواق المشهورة عند العرب آنذاك، فكانت تقام في بدر سوق مشهورة للعرب من الأول من ذي القعدة إلى الثامن منه. عشقي: انتصار بفكر استراتيجي من قائد حكيم من الناحية العسكرية والاستراتيجية، يوضح الدكتور أنور ماجد عشقي (رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية)، أن الانتصار في هذه المعركة كان بفكر استراتيجي من قائد يدلل على حكمته في وضع خطة حربية وعناصر لإنجاحها ووضع البدائل في حالة ضعف أحد عناصرها. وقال عشقي: إن من استراتيجيات الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك المعركة اختيار المكان المناسب للحرب، بحيث أوقف الجيش الإسلامي في منطقة مليئة بالمياه ليشرب المحاربون، بينما تشح المياه في معسكر المشركين، إضافة إلى أن وقوف الجيش الإسلامي في منطقة رملية عكس جيش المشركين في منطقة (صبخة) مما يعيق عملية الحركة للمقاتلين، واستراتيجية الصفوف المتساوية التي وضعها النبي ودفع الرماة في بداية المواجهة. وأضاف عشقي: إن غزوة بدر هي نتيجة للهجرة إلى المدينةالمنورة، حيث استمرت المعركة عدة أيام اشتد فيها القتال، فاربك المسلمون أعداءهم بوابل من السهام، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقود الصفوف بنفسه والتي أخذت تقترب من صفوف المشركين التي فقدت قادتها وبدأت في التبعثر والهروب، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم قواته أن تشد عليهم وبدأت المطاردة التي انتهت بانتصار المسلمين على المشركين، فأخذ المسلمون في جمع الغنائم والأسرى، فعاد عليه الصلاة والسلام إلى المدينةالمنورة مع موكب الرجال حاملين لواء النصر على جبابرة مكة وأئمة الكفر فيها.