ماذا سيفتقد العالم إذا قررت الولاياتالمتحدة أن تعطي نفسها إجازة من مسؤولية إدارة السياسة العالمية لتكون «سويسرا» لفترة قصيرة، تستريح وتريح من الشعور بوجود دولة واحدة لا بد من حضورها في أي اتفاقيات أو ترتيبات؟ ترى كيف ستتصرف الدول إذا استيقظت ذات صباح ووجدت أن واشنطن قررت أن تعفي العواصم العالمية من استقبالات وفودها السياسية والعسكرية والاقتصادية، المعلنة وغير المعلنة؟ أسئلة «نظرية جدا»، وبالتالي لا تهم أحدا، ومن المرجح أن يسفه كاتبها إن لم يوصف بما لا يليق.. لكن ساق جون كيري المكسورة في حادث الدراجة هي مصدر هذه التساؤلات غير الموضوعية، فقد ألغت تلك «الساق» لقاءات وزيارات عديدة في أكثر من قارة وفي أكثر من مجال، تعطلت الزيارة إلى أسبانيا، وتأجل الاجتماع برئيس الوزراء العراقي الذي يحاصره «داعش» وتضغط عليه مليشيا الحشد الشعبي. لكن هذه «المكسورة» لن تعيق صاحبها دون المشاركة في مفاوضات الدول الكبرى (5+1) مع إيران حول ملفها النووي، كما أعلن الناطق باسم البيت الأبيض، وكأن إدارة الرئيس أوباما لا تريد أن تضيع يوما واحدا قبل الحصول على «جائزة» التوقيع على هذه الاتفاقية رغم ما يثار حولها وعن آثارها المستقبلية في الداخل والخارج. والملفت أن وكالة الطاقة الذرية أشارت إلى أن إيران زادت مخزونها من الوقود النووي، لكن أوباما قال في مقابلة مع التلفزيون الإيراني إن إيران «تظل مستعدة للتخلص من مخزونها»!! لكن لماذا ينشغل العالم «بساق» رئيس الدبلوماسية الأمريكية، وماذا سيفقد إذا «استراحت» تلك الدبلوماسية عن النشاط لأيام، وهي التي لم تنجز شيئا مهما طوال السنوات الماضية، بل إن خسائرها تتعاظم يوما بعد يوم، ونفوذها يتراجع، وهيبتها تخدش داخليا وخارجيا، ففي أوروبا لم تستطع أن توقف استعراض الملاكم بوتين في أوكرانيا، حين أظهر عضلاته العسكرية فاكتفت بالشجب والتنديد والتهديد بالمقاطعة كما تفعل «جمهوريات الموز» العربية، وفي أفغانستان كان أعظم إنجازها الخروج بجنودها بعد المعاناة في صحاري وجبال «مقبرة الغزاة» كما يسميها أهلها. وفي العراق الصورة ليست براقة، فهناك قرابة 25 ألف جندي وخبير أمريكي «محبوسون» في قواعد عسكرية لا يستطيعون أو لا يريدون الخروج منها إلى جحيم المعارك الدائرة بين الإرهابيين في «داعش» ومليشيا الحشد الشعبي التي تمثل الذراع الإيرانية في السيطرة على العراق. أما الحضور الأمريكي في سورية فهو رمز الضعف والتردد، فلا هي وقفت مع تسليح المعارضة أو ساندت الحوار الجاد للخروج من الأزمة بالطرق الدبلوماسية، ولا هي رفضت سقوط نظام بشار، واكتفت بالإعلانات والبيانات التي لا تحدث أثرا على أرض الواقع، وليست الحال في اليمن بأحسن من سورية. وإذا بقي تأثير وحضور واشنطن في هذه المكانة، فإن العالم لن يشعر بالفقد الكبير إذا تراجعت إلى صورتها يوم كانت أرض الأحلام خلف بحر الظلمات.