لا شك أن الأحداث الإجرامية التي وقعت في الدالوه والقديح والدمام تؤكد التنسيق المستمر بين التنظيمين الإرهابيين القاعدة وداعش لاستهداف المملكة، في واحد من أخبث المخططات الإرهابية التي كان يخطط لها تنظيم القاعدة منذ 12 سنة لإثارة الفتنة الطائفية في المجتمع، والذي استطاعت الجهات الأمنية إفشاله بضربات استباقية عديدة، حيث سعت القاعدة خلال الأعوام الماضية عبر التخطيط لعمليات إرهابية متقاربة زمنيا استهدفت شخصيات دينية في بعض مناطق المملكة لإثارة الفتنة، وهذا ما سعى إليه تنظيم داعش الإرهابي عبر استهداف ثلاثة مساجد في المنطقة الشرقية. يؤكد عدد من المختصين والباحثين في التنظيمات المتطرفة أن «داعش» يعتمد تكتيكا جديدا لاستخدامه في الفترة المقبلة فيما أسماه «أشبال الدولة الإسلامية» والذي يعمد إلى تجنيد الأطفال على فكر القتال، وقطع الرؤوس والإعدامات، فضلا عن تعليمهم أسس شريعة التنظيم التي يراها تعاليم دينية، وعرج الباحثون على الخلافات بين قادة وأمراء تنظيم داعش الإرهابي والتي تسببت في خسائر كبيرة بالمعارك، يعود إلى ضعف التعاون بين ما يسمى بأمراء الكتائب على الأرض، بالإضافة إلى الانقسام اللغوي والثقافي، ناهيك عن محاولة مسؤولي التنظيم بالظهور بمظهر التماسك والقوة وذلك من خلال تصفية أعضائه المنشقين، ممن اتضحت لهم الصورة الحقيقية أو المتراجعية خوفا من أي سبب، حيث أعدم التنظيم أكثر من 160 عنصرا من أعضائه خلال 6 أشهر، معظمهم من المقاتلين الأجانب الذين كانوا يأملون في العودة إلى بلادهم. «القاعدة» وزرع الفتنة بدأ تنظيم القاعدة في المملكة قبل حوالي 12 سنة بتكوين خلية إرهابية تضم 24 إرهابيا خصصت عددا منهم للتخطيط لتنفيذ عمليات اغتيال ضد شخصيات شيعية في محافظة القطيف، حيث قام عناصر تلك الخلية بالسفر عدة مرات للقطيف لتحديد الشخصيات التي يعزم التنظيم على اغتيالهم وقد كلف مجموعة من أعضاء الخلية لمتابعة ورصد تحركات المستهدفين، إضافة لقيام عناصر أخرى بتحريض عدد من المنتمين لذلك الفكر الإرهابي لإثارة الفتنة الطائفية في المنطقة الشرقية والسعي في حيازتهم للأسلحة لتنفيذ تلك الجريمة. واستطاعت الجهات الأمنية توجيه ضربة استباقية لتلك الخلية الإرهابية والتي تتكون من 24 إرهابيا بالقبض عليهم ما بين عامي 1427ه و1428ه وكان يتفرع من تلك الخلية الإرهابية خلية أخرى تحت مسمى «خلية قتالية» تستهدف المواطنين في المنطقة الشرقية لزراعة الفتنة الطائفية لأخرى تخدم أهدافهم الإرهابية، حيث قام عناصر تلك الخلية بالتواصل مع الأشخاص المشبوهين من أجل توفير الدعم المالي والتسليحي لتنفيذ مخططاتهم الإجرامية، وكان للجهات الأمنية دور كبير في دحر تلك الفئة الإرهابية بالقبض عليهم وتقديمهم للعدالة حيث ينفذ بحق أعضاء الخلية الأحكام الصادرة بحقهم بالسجن لمدد مختلفة. القبض على 93 داعشيا وكشفت التحقيقات مع 93 من عناصر تنظيم داعش الإرهابية داخل المملكة والتي أعلنت وزارة الداخلية في أوائل شهر رجب الماضي القبض عليهم من بينهم امرأة ومتخصص في صناعة العبوات المتفجرة، حيث تم القبض عليهم في عدد من مناطق المملكة خلال الفترة 9 / 3 / 1436ه إلى 29 / 6 / 1436ه ، حيث وصل هؤلاء الإرهابيون لمراحل متقدمة في مراحل تنفيذ عدد من الجرائم الإرهابية وعلى وشك البدء في تنفيذها، وكانت أهم مخططاتهم التي حددت لتنفيذها هي القيام بتنفيذ عمليات إرهابية لإثارة الفتنة الطائفية واستهداف مقرات أمنية ومجمعات سكنية، واغتيال عسكريين من مختلف القطاعات، ومهاجمة سجون المباحث العامة. وكان الأكثر خطرا وإجراما هم 65 شخصا (61 سعوديا وشخصان من حملة البطاقات وفلسطيني ويمني) تم القبض عليهم من قبل الجهات الأمنية في عملية أمنية متزامنة في مناطق عدة من المملكة لارتباطهم بتنظيم داعش الإرهابي بالخارج، حيث نفذوا عددا من المهام أبرزها استقطاب وتجنيد عدد من الشباب خاصة صغار السن ، و نشر فكر داعش الإرهابي عبر التركيز على التجمعات والملتقيات الدعوية للتأثير على مرتاديها من الشباب، وضخ الدعاية الإعلامية لنشاطات التنظيم من خلال مجموعات إلكترونية في مواقع التواصل الاجتماعي، و تأمين أوكار للمطلوبين أمنياً، وإنشاء مواقع تدريبية داخل المملكة لمن يتم تجنيدهم من الشباب، والتنسيق للراغبين منهم في الخروج إلى مناطق الصراع، وقاموا أيضا بجمع 56 ألف ريال و1700 دولار أمريكي. وكان من ضمن المضبوطات التي ضبطتها الجهات الأمنية عدد من الأسلحة والمواد المتفجرة وعدد من الأجهزة والوسائط الالكترونية، كما ظهر واضحا للعيان محاولة تنظيم داعش الإرهابي تشويه صورة الإسلام لدى الآخرين وذلك بتمرير جرائمهم الدموية تحت غطاء ديني مستغلين حماس الشباب خاصة صغار السن للتغرير بأكبر عدد منهم لاستغلالهم في تنفيذ جرائمهم الإرهابية. هدف سياسي.. لا ديني من جهته أوضح الكاتب والباحث في التنظيمات الإرهابية محمد العمر أن تقسيم القيادات في تنظيم داعش دقيق جداً، ويختلف بشكل جلي عن التقسيم المتبع في تنظيم القاعدة، الذي أظهر قياديين في إطارات متعددة، شملت المنظرين ومسؤولي المجموعات والخلايا، وأيضاً في كل قطر في قارات العالم يوجد فيها قيادي، سواء في آسيا أو أفريقيا وحتى أوروبا وأمريكا، مشيرا إلى أن القيادات في التنظيمات المتطرفة بشكل عام، ورغم وجود فروق في بعض النظريات والايديولوجيات بين القوائم المحلية والإقليمية وبين القوائم الدولية، إلا أن هناك اتفاقاً يطفو على الإطار العام لهذه الجماعات المنتشرة والتي تتزايد في المنطقة، ومن أهم القواسم المشتركة بين قياديي التنظيمات المتطرفة الاتفاق في مُجمل الأهداف، وإقصاء الفصائل الأخرى، والتسلط في الرأي، وإسقاط الأنظمة القائمة، وحب الزعامة والتشبث بالقيادة، وهدفها سياسي لا ديني، والولاء للزعيم الأول، ويتفكك التنظيم في حال موت الزعيم الأول. وصنف العمر القيادات في تنظيم داعش لثلاثة أصناف وهي «الخليفة» وهو المرجع الأول والمشرع والآمر، و«المستشارون» وهم قدامى المقاتلين وخبراء عسكريون في حزب البعث المنحل، و «وزراء الحرب» وهم من يعتمدهم الخليفة لتوجيه الأوامر وتكليف المهام، وأكد أن الصف الثاني من عناصر تنظيم داعش الإرهابي لا يتاح لهم الفرصة لان يكونوا قريبين من القيادات المطلوبة، رغم أنه كان سهلا لدى تنظيم القاعدة الإرهابي من خلال الوصول إلى زعيمه آن ذاك «أسامة بن لادن» في أفغانستان، وأيضاً ابو «مصعب الزرقاوي» في العراق، لكن هذا النمط يبقى ضعيفاً وأحياناً مستحيلا داخل تنظيم داعش. داعش من الداخل وفند العمر التنظيم الداخلي لداعش في توزيعه لمهامه لعناصر كالتالي: «منظرين» مهمتهم التسويق الإعلامي للتنظيم من خلال أسلوب الإقناع وترويج الانتصارات والإغراءات الدنيوية والرغبات والغرائز المشرعنة، منظرو أوروبا: ومهمتهم استقطاب الاجانب ذوي الاصول الافريقية والاسيوية مسلمي اوروبا الاصليين وأيضاً المسلمين الجدد بعقيدة داعش، وتغذية اهتماماتهم بما يتناسب مع آيديولوجية التنظيم، وايصال صورة نمطية عن الاسلام حسب شريعة التنظيم، «حرائر الدولة الإسلامية» وهن جنديات يناط على عاتقهن الدعاية والاعلان، وجمع الأموال، وتجنيد الأقارب من الدرجة الأولى والثانية، وزرع الفكر المتطرف داخل المحيط الاجتماعي اللصيق، واقامة علاقات مع أفراد تابعين لأجهزة أمنية لغرض الاغتيالات، واستخدامهن في مناطق سيطرة التنظيم كعضوات أمنية غرضها تفتيش النساء، وزرعهن في الاجتماعات والمناسبات، وتكليفهن بالتنظير والدعوة، «المرتزقة» مهمتهم استقبال المقاتلين الجدد عبر تركيا وتسليمهم لمرتزقة آخرين على الحدود السورية لإيصالهم لمعسكرات التنظيم، «وهؤلاء غير منتمين للتنظيم لكنه يستخدمهم من خلال المال»، شرعيو الدولة الاسلامية» وهم المسؤولون عن الدورات الشرعية للمقاتلين الجدد، وأيضاً المناط على عاتقهم فصل النزاعات والخلافات الثنائية بين مقاتلي التنظيم أو الفصائل الاخرى المقاتلة، اضافة إلى اصدار البيانات عن مهام محددة بعد أخذ موافقة القادة الأساسيين، «مدربون» مهمتهم استقبال المقاتلين الجدد واخضاعهم إلى دورات سريعة في فن القتال واستخدام السلاح. بالإضافة إلى «اشبال الدولة الاسلامية» وهذا تكنيك جديد استخدمه التنظيم لتجنيد الأطفال على فكر القتال، وقطع الرؤوس والاعدامات، فضلا عن تعليمهم أسس شريعة التنظيم التي يراها تعاليم دينية، «أمراء كتائب» جزء منهم ضباط أو جنود في الحرس الجمهوري العراقي السابق وهم من يديرون العمليات العسكرية التي يخوضها، وآخرون يتم ترشيحهم حسب الأولوية سواء في الجنسية او الخبرة، «المنتحرون» وهم منضمون للتنظيم إما حماساً أو قناعة أو جهلا، ويتم استخدامهم لتحقيق مكاسب إعلامية سياسية، أو مكاسب يغنمون على إثرها أرضاً أو مقراً أو عتاداً، «الانغماسيون» ويطلق عليهم الماسحون، وهم مقاتلو الصف الأول، مهمتهم تفقد المكان بعد التفجير، واحتلاله، وهم من يُستخدمون أيضاً في المواجهات أو حرب الشوارع. «مقاتلو الصف الثاني» وهم تشكيل من جيش «صدام حسين» ويعتبرون العمود الفقري لقوات التنظيم، وهم من يدفع بمقاتلي الصف الأول كي يبقوا حصناً في قوة التنظيم وأماناً من خسارتهم لتواجدهم، «الشرطة السرية» وهي أشبه ما تكون بجهاز المباحث، مهمتها التلصص على أهالي المناطق المسيطر عليها، تجنباً لأي إختراق أو إنشقاق، ومحاسبة من يثبت عليهم عدم موالاة التنظيم، «الحسبة» مهمتها مراقبة الاسواق، والناس، وأمرهم إيتاء الفروض والواجبات بالقوة، ومعاقبة من يقصر أو يرفض. «الذئاب المنفردة» وهي من تتلقى تعليمات مباشرة أو غير مباشرة من التنظيم، وتتبني عمليات تخريبية وإجرامية في مناطق ودول خارج سيطرة التنظيم، وهذا ما حدث في أوروبا وبدأ تبنيه في مصر أيضاً، وهم من يسميهم تنظيم داعش ب «الذئاب المنفردة جند الله الأخفياء الأنقياء»، «الإعلام» وهو أهم ركيزة موجودة داخل التنظيم، ويعوَّل عليه التسويق والتلميع واصدار الأخبار ذات الطابع الإيجابي من خلال الانتصارات، واقامة الحدود، وإشباع رغبات الطائفية، وزراعة الكره للحكومات، وإضفاء الصبغة الشرعية للتنظيم والخليفة. خلافات وتصفية عناصر وقال العمر: لا ننسى أن الخلافات الداخلية بين قادة وأمراء داعش، تتسبب بخسائر كبيرة في المعارك، ويعود ذلك إلى ضعف التعاون بين أُمراء الكتائب على الأرض، كما حدث في تكريت العراقية، ففي معركة «كوباني» تسببت بظهور تصدعات كثيرة داخل التنظيم، وبدأ المسلحون يتهمون بعضهم بالخيانة، إلى أن نشأت الخلافات، مبينا أن «داعش» يسعى إلى المحافظة على الانسجام بين فصائله المختلفة، لكن العوامل الخارجية الأخرى تؤثر بدورها بشكل سلبي على التنظيم، لذا فهو يكافح في ظل التحديات الجديدة التي لم تكن قائمة من قبل، بل ويبحث عن اختلاق أنظمة وقوانين متجددة لاحتواء أي ضعف أو انهيار، مبينا أن أحد الشروخ داخل تنظيم داعش الإنقسام اللغوي والثقافي التي لا تستسيغ بعضها البعض، فعلى سبيل المثال، من يتحدث اللغة الروسية ليس على وفاق مع العراقي نفسه، ومن يتحدث اللغة الفرنسية فهو مبغوض من قبل الأعضاء السوريين، مشيرا إلى أنه رغم كل تلك الترتيبات والاحتياطات لدى تنظيم داعش، الذي يُظهر من خلاله التماسك والقوة، فهو يقوم بتصفية اعضائه المنشقين، ممن اتضحت لهم الصورة الحقيقية أو المتراجعين خوفاً لأي سبب، فقد قام داعش بإعدام أكثر من 150 عنصراً من أعضائه خلال 6 أشهر، معظمهم من المقاتلين الأجانب الذين كانوا يأملون بالعودة لبلادهم، إلى جانب أن كثيرين منهم إما رحلوا، أو يحاولون المغادرة بعدما تبينت لهم مدى صعوبة الحياة. الجدير بالذكر أن المملكة عانت من الإرهاب، حيث تعرضت منذ عام 2003م لأكثر من (147) من تلك الأعمال الإجرامية، قتل من جرائها أكثر من (95)، وأصيب أكثر من (569) من المدنيين الأبرياء. وتشمل تلك الأرقام مواطني دول أخرى كانوا في زيارة أو عمل في المملكة. كما تمكنت قوات الأمن السعودية من إحباط أكثر من (250) مخططا إرهابيا كانت تستهدف مصالح داخلية وأجنبية وحياة الأبرياء من المواطنين والمقيمين داخل المملكة، وتمكنت من تقديم المتورطين للعدالة، وفقد أكثر من (74) فرداً من قوات الأمن السعودية حياتهم، وأصيب أكثر من (657) فرداً منهم خلال تلك المواجهات في سبيل مكافحة الإرهاب.