هل من وصف لأسلوب لعب الفريق الكتالوني؟ فجائيته، قصره وبرقيته، كل ذلك يجعله أقرب إلى أن يكون مثالا حيا لقصيدة النثر. بقطع النظر عن جماليته، ثمة خبرة نظرية من السهل تحصيلها من طريقة لعب الفريق الإسباني. تقول إن مشاهدة لاعبين يركلون الكرة لا تقل شأنا عن تصفح الكتب؟ أنا أتحدث عن أداء برشلونة بوصفه واحدا من أهم مصادر الشعر. لو تأملت في بناء الهجمة لاكتشفت أي بنية معقدة في طريقة التدرج بالكرة. يبدأ الأمر بجملة كروية قصيرة وبرقية أشبه بالشذرة، سرعان ما تتطور، وتبدأ في أن ترى كيف ينفصل اللعب عن اللاعبين ويصبح قطعة من الزمن. كما لو أنك تشير إلى عبارة سوزان برنار: "فمن يكتب قصيدة يهدف إلى خلق شكل منظم، منغلق على ذاته، ومنبت من الزمن" ؟ بشكل ما قصدت أن أشير إلى تحقق تلك العبارة، إلى أننا ظفرنا أخيرا بالأداء الكروي المرادف لتعريف قصيدة النثر. لأكثر من قرن ونحن نشاهد أسلوب اللعب ذاته. ثلاثة خطوط رئيسية تتناوب الكرة فيما بينها عبر بنيات ثابتة أقرب إلى طراز بدلة إنجليزية مخططة من ثلاث قطع. بوسعي أن أقول إن روح الغرب المحافظ لم تكن أبدا لتظهر بالوضوح الذي ظهرت عليه في كرة القدم وفن الخياطة. لحسن الحظ أننا عشنا لنشهد عصر برشلونة، على الأقل لندرك أن موديل خياط القرية الذي قبلناه برضى العانسات لم يكن شيئا بالنظر إلى موديلات خياطين أوسع خيالا. لكنني لا أفهم كيف يمكن أن نتحدث عن طريقة لعب الفريق الإسباني بهذا القدر من الإعجاب بدون أن نوقر روح القارة الأوروبية؟ يبدو أنه قد غدا شبه متعذر علينا أن نفكر بمعزل عن ترهات الخرائط ونشرات الأخبار. فقط أطفئ التلفاز وستبدأ في اكتشاف أنه عدا عن الشعور العميق بعدم الانتماء إلى قارة وثقافة مخصوصتين، فإن أي تفسير آخر لنزعة الكتالونيين الانفصالية لا يعدو أن يكون مجرد هراء. أفهم من كلامك أن الكتالونيين هم غجر أوروبا؟ أجل. إن آمالنا معقودة بهؤلاء لتمريغ روح أوروبا العكرة في وحل مخيم العازفين المتجولين. إذا كنت ذا بصيرة فإنك لن ترى في لاعبي برشلونة زمرة محترفين يتقاذفون الكرة، بل غجرا يقتحمون حفل الأوبرا بالكمنجات و مزامير القربة، راقصين فوق الطاولات ومريقين المشروبات على رؤوس المستمعين وعازفي الأوبرات. السمفونيات ذات الأنغام الكئيبة، تشيلسي، بايرن ميونيخ، جوفنتس، ريال مدريد، كلها قد صارت الآن تحت رحمة موسيقى المخيمات، حيث كل تمريرة ما هي إلا صدى لقهقهة بعيدة في ساحة المخيم، وكل تمريرة أو مراوغة ما هي إلا رجع قرقعة على امتداد الغابة أو جوار النهر. فقط من جرب فتنة النثر، قارئا كان أو شاعرا، سيعرف أي فرصة نادرة تمثلها مباراة برشلونة لابتعاث صلة وثيقة مع حطب مازال ينفث دخانه في ساحة الغجر، والاستماع إلى شجى آلة السنبالوم الذي خلناه تبدد في متاهة الزمن.