تأثر عبد الله الشيخ ببيئة الزبير في العراق في بداية حياته، إذ ولد في مدينة الزبير والتقطت عيناه مفارقات المكان حيث إن هذه المدينة التي تحتفي بالتراث وقوافل الحجيج تركت لبذرة الإبداع أن تتمدد داخل الطفل الذي يبحث على الفن واللغة السرية التي يتقنها المعجونون بالإبداع، فخرج الشيخ في سن مبكرة باحثا عن دوره في إعادة صياغة الأشياء عبر مخياله الصغير الذي أخذ يتفتق شيئا فشيئا، ليكون قراره الأهم في مسيرة حياته وهو التحاقه بمعد الفنون ببغداد ليشاق لنفسه الطريق التي طالما بحث عنها وبذا يتعرف إلى فنانين عمالقة بحجم الفنان العراقي فائق حسن، وجواد سليم، ويتمدرس على يديهما، وبذا يفتتح حياته من أعالي الهرم الفني لم تتوقف حواس المبدع عند رائحة اللون وإعادة هندسة الأشياء وتشكيلها، لكنه كان مولعا بالموسيقى الكلاسيكية التي خلبت لبه، فقضى وقتا غير يسير في الاستماع لها وتتبعها وتتبع سير مؤلفيها ومغنيها ، لأنه يلاحق لغة من نوع آخر ، تتشكل بألوان مختلفة على أيدي مبدعين أعادوا تلوين الكلام وإتاحته للمستمعين كفن راق وناضج لا يقبض عليه إلا أصحاب الأرواح المحلقة. لم يبتعد الشيخ عن استلهام التراث الشعبي فقد كان الموروث العربي الباكورة التي ينطلق منها الفنانون لإعادة تشكيل البصمة الفنية. لكن الشيخ استطاع أن يتعامل مع التراث كمكون للبصمة الفنية التي تتشكل بعيدا عن نمذجة الكثير من الفنانين ومحاكاتهم. فهو يعود لبيئة الفنان ويفجر الكثير من المفردات لإعادة تشكيل الشبابيك والأبواب منتبها للمفردة اليومية ولكلام التفاصيل في اللوحة، فهو يعكف على تخليد اللحظات التي يمر بها الإنسان السعودي مستفيدا من البيئة التي تشكل ألوانها من خلال الظل والضوء حيث يغطس إلى عوالمه الجوانية ناثرا الخبرات التي التقطها الفنان طوال مسيرته الفنية ليعود لإنتاجها مرة أخرى تاركا السلام الدافئ يعبر اللوحة ويلوح بأمن الإنسان وسلامته والخطر الذي ينتظر هذه البشرية، التي لاكتها الحروب والتشرد والدمار. تأثر الفنان بتجارب موسيقين عمالقة كانت كافية لقدح زناد الرؤى للشيخ الذي تناسلت اللوحات من بين يديه كاشراقات تعبر عن المرحلة التي يمر بها العالم العربي، ففي بعض معارضه انتصبت فوهات المدافع تحتل المشهد اللوني احتجاجا من الفنان عما يحدث في بغداد وفلسطين في أوقات سابقة لهذا العهد، متنبأ بالقادم الذي يجتاح البيوت والأطفال وحالة الجمال الآمنة. فهو يعلم بمسؤولية المبدع نحو الوطن وإنسانه أكبر من اللون والصورة. محاولا تفجير سيمفونيته عبر المعارض التي يقدمها لمحبي فنه، وكما ينقل صوته الرافضة للحروب التي تمتهن الإنسان وتمحو ذكرياته وذاكرته، وتعتدي على حرماته. لم يتوقف طموح الشاب الفنان الذي تعلم على يد أساطين الفن في العراق، فهو يمضي قدما إلى المملكة المتحدة لينال منها في العام 1965 دبلوما التصميم والطباعة، ليشحذ رؤاه، ويلقح قريحته التي تتفتح كسهل زنابق على امتداد بصيرته، فالمدائن الكبيرة التي يرحل إليها المبدعون لا نستطيع أن نراها مدنا وببوتات وجامعات وشوارع فهي أكثر امتدادا من هذا في عين المبدع فهي بلد وليم شكسبير، والسير توماس، وتشارلز ديكنز، وفيها الأكاديمية الملكية في لندن التي تحتوي على كبرى المدارس في الفنون والتصميم. حينما عاد الشيخ من بريطانيا كان بتلات الإبداع على أغصانه تتفتق، ليعود مبشرا بمرحلة جديدة من إعادة تكوين النص الفني لديه مستفيدا من خبراته التي تلقاها في دراسته، والتجارب التي خبرها في لقاءاته مع فنانين كبار كان الاحتكاك بهم شرارة تقدح زناد المبدع عن رؤى أخرى لم يكتشفها من قبل، وقد قسم بعض النقاد أعماله إلى مراحل تتبعوها خلال عمره الإبداعي إلا أن ما يلظم كل هذه المراحل الاتجاه نحو البشرية والدفاع عنها، ففي إحدى مراحله الفنية استخدم الشيخ المعدن مضافا إلى الالكليرك، وكأنه يجرا بصوته أن الإنسان يبتعد عن مكانه الطبيعي تاركا المكان للحديد والآلة التي حصدت روحه لتقف مكانه، أو تكون ذراعه التي يقتل بها أخيه الإنسان سواء في الحروب أو باستعباده وراء آلة الإنتاج، لم تتوقف رحلة التجريب لدى الفنان السعودي فقد مازج بين الرسم ثنائي الأبعاد والنحت كإضافة لإثراء التجربة الإبداعية، وإطلاق مساحات التجريب في مسام النص المرئي قدم الفنان الشيخ معرضه الأول في العام 1982 بمنطقة الخبر ليظل حاضرا في الكثير من الفعاليات الفنية ولجان التحكيم فقد حضر الفنان الشيخ بأعماله في الكثير من صالات العرض في السعودية، وقد وقف الكثيرون على الرسالة الخلاقة التي تركها في ثنايا لوحاته. حيث شارك في العديد من البيناليات العربية والدولية حيث شارك في بينالي القاهرة، وبينالي الشارقة، وشارك أيضا في مهرجان المحبة السوري، ومعرض الفن العربي والإسلامي في مدينة انقرة، وقد زينت لوحاته مطار الملك فهد بمنطقة الدمام، وإمارة مجلس التعاون الخليجي.