الكثيرون تغلب على تطلعاتهم العيش في البلاد التي تتنعم في الرفاهية، ولا نذهب لبعيد وسأضرب لكم مثلا حدث منذ قريب.. فلقد دار حوار مثير بيني وبين زوجتي، إذ بالفعل اقترحت علي بأن الحياة جميلة ولا نعيشها مرتين وقد أعطانا الله من نعمه الكثير، فلماذا لا نذهب ونعيش في دبي مثلا ونقضي بها باقي حياتنا، فهناك تتوفر جميع الإمكانيات بشكل رائع وبلد فائق الجمال وبلغت الرفاهية أقصاها. وفي تلك الأثناء وهي تحاول إقناعي، يتبادر لذهني ما نحن فيه من عيش كريم على أرض مباركة بصحرائها وسهولها وجبالها وأوديتها وبحارها، فيها أول بيت وضِع للناس، وختم بنبيها الرسالات وتنزل آخر كتاب في ديارها. فلقد كان يا سادة، لاقتراح زوجتي «الذي عارضته وبشدة بالإقناع»، له فائدة جليلة، إذ وجدت نفسي أتفكر في أمور عظيمة منحنا الله إياها فبلادنا بلاد الحرمين الشريفين قبلة المسلمين تحتضِن شعائرهم ومشاعرهم، كافة وليس نحن فحسب بل كل المسلمين، فأمننا أمنهم واستقرارنا استقرارهم، وقال تعالى: «جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس» .. وكما لا يخفى على أحد فهي أرض مباركة خصوصيتنا في موقعنا وفيما اختار الله لنا من متنزل وحيه، ومولد رسوله ومبعثه ومهاجره ومماته عليه الصلاة والسلام.. فتلك هي أم القرى بوركت بالبيت الحرام ودعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام، وها هي طيبة تعطرت بمسجد رسول الله وقبره وصحبه الكرام، محفوظة بدعوات المصطفى أرضها وأهلها، وتوسطتهما جدة لتسهر على خدمة ضيوف الرحمن ذهابا وإيابا. وذكرت نفسي وزوجتي، بأن تلك الأرض المباركة هي التي صنعت أهم حدث في تاريخ الدنيا، تغيرت به وجوه الأمم والممالك، ودولتنا في تأريخها الحديث هي امتداد لذلك التاريخ العظيم، والتزام بتلك الرسالة الخالدة.. فتاريخ مملكتنا تاريخ دين ومبادئ يجتمع عليها الجميع، بعيدة كل البعد عن العصبية والإقليمية والمذهبية.. والرجال الذين أقاموا هذا الكيان لا يعتصمون بقبيلة ولا يتعصبون لفئة، بل أقاموا حكمهم على شرع الله وسنة نبيه الكريم.. إنه تاريخ الدين والدولة والأسرة والوطن الذي ينتهِج الجمع بين الأصالة والمعاصرة والالتزام والتحديث. أدركت في ثنايا هذا الحوار الممتع، أن المملكة بوعيها لمكانتها واعتزازها بدينها حفظ عليها الله أن تظل متمسكة بمبادئها، ملتزمة بمنهجها محافظة على الأسس التي قامت عليها.. يستوي في ذلك حكامها وشعبها، وعلى ذلك مؤسسات الدولة وسياسات الحكم ومناهج التعليم والنظم الإدارية والاجتماعية. كذلك وجدتها هي تكرر ما أقول وزادت «بأن الأمن والوحدة الوطنية وتماسك المجتمع وحماية المقدسات هي أعلى وأغلى ما نملك بعد عز الإسلام وحفظ الدين، فبهذا الأمن الذي شارك في صنعه الأجداد والملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود رحمه الله وحفظ ذلك أبناؤه الملوك من بعده، ليسهر عليه رجال الأمن والأمان وكل أبناء الوطن، لحفظ مقدساتنا وأحوالنا وأموالنا وأنفسنا وأهلينا. واستطردت أنا في الحديث، بأن مع كل هذا الخير الذي نعيشه والفضل الذي نرفل فيه والرضا الذي ننعم به، إلا أن الكمال عزيز، وأن النقص والقصور والتقصير والخطأ من شأن البشر.. ومن المعلوم علم اليقين أن الطريق طويل وشاقّ لأن مسار الأمم وتعاقب الأجيال يتطلب العقل والحكمة والسير بخطى ثابتة متأنية وتنمية مخططة مستدامة لنحافظ على تلك النعم ونعمل على تنميتها وخلق مجالات أوسع لأجيالنا القادمة، لأننا أمرنا بالعمل والسعي لنحيا حياة كريمة على تلك الأرض المباركة..