أصبحت دولة فلسطين، رسميا، في المحكمة الجنائية الدولية، ما أدخل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في مرحلة جديدة، الأمر الذي وصفه بيان صادر عن الخارجية الإسرائيلية بأنه قرار «سياسي ووقح». إسرائيل، التي تصرفت منذ العام 1948 بأنها دولة فوق القانون، باتت ومنذ تاريخ الأول من أبريل مضطرة لإعادة حساباتها، والنظر بمنظار آخر يحسب حسابات محكمة الجنايات الدولية. بدأ الفلسطينيون مرحلتهم الجديدة بتقديم مطارحات أولية حول الاستيطان الإسرائيلي لأراضي الضفة الغربية، وملف الحروب الإسرائيلية ضد قطاع غزة. ستنظر المحكمة، في إطار هاتين القضيتين، لترسم خطوط ومراحل المحاكمة، إن كانت هناك جرائم ضد الإنسانية، وإن كانت ترقى لمستوى جرائم الحرب. وتدرك إسرائيل، تمام الإدراك، أبعاد ذلك. ويرى رجال القانون في إسرائيل بأن ملف الاستيطان يشكل تجاوزا لأبسط قواعد القانون الدولي، ويتضمن جرائم حرب واضحة، وبأن ملف الحروب على غزة يتضمن جرائم يحاسب عليها القانون الدولي، وتطال ضباطا وقادة إسرائيليين. القضية جدية للغاية، وإسرائيل التي تنظر لقرار انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية على أنها «وقاحة سياسية» تدرك المخاطر التي ستترتب على هذا الانضمام. الفلسطينيون من جهتهم جادون فيما ذهبوا إليه، هم لم ينصاعوا للضغوط التي سبق أن مورست عليهم بشأن الإحجام عن الانضمام، أو تقديم دعاوى للمحكمة، وإلا فإن هناك عقوبات أمريكية وإسرائيلية ستمارس ضدهم، ولا مجال للتراجع، أو التردد، فالمرحلة الجديدة قد بدأت، وبالتأكيد لها أثمانها وتبعاتها، كأي مرحلة جديدة من مراحل العمل الوطني الفلسطيني. المرحلة الجديدة هي مرحلة وجودية ومصيرية، ذلك أن المعركة القانونية مع إسرائيل، منذ قيامها في العام 1948، وهناك من الملفات الكثير الكثير التي تجاوزت فيها إسرائيل أبسط قواعد القانون الدولي، الإنساني. تجاوزت إسرائيل حتى مقررات الشرعية الدولية المتعلقة بإقامتها، بدءا من القرارين 181، 194، وسنها لقوانين غريبة وعجيبة، مثل قانون «الحاضر الغائب» وأملاك الغائبين وغيرها من القوانين التعسفية. المرحلة الجديدة قد بدأت، وهي تحتاج، إضافة للإرادة السياسية، لإمكانات هائلة من الخبرات والأموال، وهي موجودة لدى الشعب الفلسطيني وأصدقائه ومؤيديه من العرب والدوليين، على حد سواء. المهم في هذا الإطار هو البحث والتأطير لتلك الطاقات، ومعظمها سيكون من المتطوعين، ممن يرون في الحق الفلسطيني حقا إنسانيا يستحق الوقوف إلى جانبه.