الأسلوب القصصي من أفضل الأساليب لتوصيل المعلومة وقد استخدمه الله عز وجل في كتابه الكريم واستخدمه الرسول صلى الله عليه وسلم والأنبياء في حديثهم مع المجتمعات. لذا سأتبع في بعض مقالاتي الأسلوب القصصي، وجميع هذه القصص ستكون مبنية على مشاهداتي لما يحدث في القطاع الصحي بحكم تعاملي مع المرضى وعوائلهم بشكل يومي. بمعنى آخر، القصص التي سأسردها (ممكن أنها حدثت أو بالإمكان أن تحدث) من غير التطرق إلى أي خصوصيات (سواء بالأشخاص أو المؤسسات!) وسأحاول أن أضع المشكلة وبعض الحلول العملية (جنبا إلى جنب) لتقريب الصورة للقارئ وصانع القرار. لنأخذ على سبيل المثال: محمد.. مواطن سعودي في بداية الخمسينيات من عمره، ويعيش في إحدى المدن الكبيرة في المملكة. عندما زارني محمد في عيادة الجراحة، ظننت أنني أنظر إلى رجل في منتصف الستين من العمر! بدأ الرجل في الحديث عن معاناته المرضية والتي قاربت أكثر من سنة كانت مليئة بالآهات والآلام والكثير من الزيارات إلى أقسام الطوارئ في المستشفيات. لم أصدق عيني وأنا أنظر إلى نتيجة الأشعة التلفزيونية والتي أوضحت أن محمد يعاني من مرض يعتبر من أكثر الأمراض شيوعا في المملكة (والعالم!). التشخيص ببساطة كان: التهاب في المرارة بسبب حصوات مرارية. يعرف أساتذة الجراحة في الجامعات أن هذا التشخيص من الأمور التي نتوقع أن يجيب عليها طلبة الطب في أول دقيقة من امتحان التخرج في كلية الطب! ما هي المشكلة؟! ما الذي جعل مواطنا سعوديا لدولة تنفق المليارات من الريالات على القطاع الصحي يعاني كل هذه المعاناة لأكثر من عام؟ (أخبرني محمد «الخمسيني» أنه وصل إلى حد البكاء من شدة الألم أكثر من مرة وتوسل إلى بعض الجراحين لإجراء العملية له!). سأوافيكم ببعض المعلومات: محمد يعاني من البول السكري لمدة تزيد على عشرين سنة حسب أعراضه، ولكنه لم يشخص بالمرض إلا قبل عام فقط من الآن. كذلك، لم يزر محمد في حياته قط طبيب أسرة أو مركز رعاية صحية أولية ولم يسمع عن الأعراض الشائعة لمرض السكري أو الحصوات المرارية الشائعين في المملكة. قال لي محمد إن الجراحين في أكثر من مستشفى كانوا «متخوفين» من إجراء العملية له بسبب أنه جاء متأخرا! الحلول: كيف يمكن أن نمنع محمد أو عبدالله أو غيرهم من خوض نفس المشكلة في المستقبل (لا سمح الله)؟ - لو كان محمد يتابع مع طبيب أسرة مؤهلا لتمكنا من تشخيص مرضه بالسكر في مرحلة متقدمة. - تشخيص السكر في مرحلة متقدمة يقلل، بإذن الله، من فرص المضاعفات التي قد تحدث منه. - وجود مراكز رعاية صحية أولية «جيدة» سوف يقلل من الضغط على أقسام الطوارئ في المستشفيات منا يسرع من إمكانية علاج مريض مثل محمد. - وجود أطباء مؤهلين سيجعلهم قادرين على التعامل مع الحالات المعقدة إما عن طريق علاجها أو تحويلها إلى أشخاص مؤهلين لعلاجها. - لو كان لدى محمد طبيب أسرة، لما رضي أن يعاني مريضه لأكثر من عام وهو يعاني من مرض شائع يمكن علاجه وتخفيف آلامه. القصة التي ذكرتها مبنية على أحداث واقعية!