تذكرون الدراسة التي أجرتها مؤسسة الملك خالد الخيرية قبل فترة، وقدرت أن خط الكفاية الذي يمكن أن يوفر لأسرة مكونة من خمسة أفراد حياة كريمة حوالي 9 آلاف ريال شهريا، شملت الدراسة نحو 10 آلاف أسرة من كافة أطياف المجتمع، وما أعلنته مؤخرا مصلحة الإحصاءات العامة، لنفس الفترة تقريبا، عن نتائج مسح إنفاق ودخل الأسرة خلال العام 2013، بأن متوسط الدخل الشهري للأسرة السعودية 13.610 ريالات، بينما إنفاقها يصل إلى 15.367 ريالا، وشمل البحث حوالي 20 ألف أسرة. كيف يمكن تصور هذه اللوحة الرقمية، السريالية إن أردتم الحق، وكيف يمكن قراءتها اقتصاديا واجتماعيا، والأهم أمنيا؟ أي رقم للبطالة يتجاوز 5% في أي مجتمع يؤثر سلبا على مستوى أو متوسط الدخل الفردي أو الأسري، بل وعلى مستوى الدولة أيضا، وكلما ارتفعت النسبة استفحل التأثير، لا يفرق هنا اقتصاد (الماكرو) عن اقتصاد (المايكرو)، ففي النهاية كلا الاقتصادين العام والخاص مترابطان يؤثر كل منهما في الآخر، ولن أنسى مقولة رائد علم الاقتصاد السعودي أستاذنا الدكتور محسون جلال رحمه الله «حتى بائعة (الفصفص) في الحارة تتأثر بمستوى الدخل الفردي والقومي». وسواء أخذنا معدل البطالة الذي تعلنه وزارة العمل ومصلحة الإحصاءات العامة بحوالي 11.5%، أو أخذنا الرقم المتداول وهو حوالي مليوني عاطل وعاطلة، كلاهما يرجح استنتاج الدراسة التي قدرت حد الكفاية ب9 آلاف ريال والمسح الميداني الذي وضعه بحدود 13 ألف ريال، علما أن متوسط عدد أفراد الأسرة هو سبعة أفراد، إن لم يكن أكثر، وأن معظم المتقاعدين تقل رواتبهم عن 5 آلاف ريال شهريا. لا أشكك بالطبع في نتائج أو منهجية الدراسة أو المسح الميداني، ولكنه التضارب في الأرقام والنسب وتناقضها مما يشتت نتائج أي تخطيط، فإذا أضفنا لكل هذا معدل التضخم الذي بدوره يتغير من جهة لأخرى، ومحدودية مراقبة الأسعار في الأسواق، عرفنا القيمة الحقيقية لمتوسط الدخل الشهري الأقل كثيرا مما تفترض الدراسة والمسح الميداني معا، وهي قيمة لا تبلغ حتى حد الكفاف وتكاد تقترب من خط الفقر. تضارب الأرقام هذا ربما يفسر حجم معاناة الباحث ومتخذ القرار معا، وفي النهاية المستهلك النهائي، كيف يمكن لأجل تخطيط سليم توحيد الأرقام إذا كان مصدرها الوحيد المفترض، وهو مصلحة الإحصاءات، لا يعترف بأرقامها حتى رئيسها المباشر؟.