منذ أكثر من ست سنوات نوقش موضوع تحديد ساعات العمل في المراكز التجارية في مجلس الشورى وقد أيدت مع أغلبية زملائي الأعضاء آنذاك أن يحدد العمل في المراكز التجارية حتى الساعة التاسعة مساء وذلك لأسباب عديدة منها اجتماعية ومنها أمنية وغيرها. وقبل عامين اتفق أطراف الحوار الاجتماعي والمكون من اللجنة الوطنية للعمال ومجلس الغرف والطرف الثالث الحكومة ممثلة في وزارة العمل ودار نقاش موضوعي طرحت فيه العديد من الآراء والأفكار وخلصت في النهاية إلى طرح الاغلبية بأن ساعات الدوام للمراكز التجارية والأسواق التجارية ينبغي أن تحدد حتى الساعة التاسعة مساء، وفي الأسبوعين الماضيين صرحت وزارة العمل بأنها تعتزم إصدار قرار منظم لساعات العمل بعد موافقة المقام السامي للمراكز والأسواق التجارية. ودار سجال قوي بين أطراف المجتمع وأصحاب المصلحة عبر وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والصحف الإلكترونية في المواقع الإلكترونية ولا زال هذا الموضوع هو محور الحوار بين أفراد المجتمع. وقد تداخلت قبل أسابيع بوجهة نظري الشخصية التي تؤيد تحديد ساعات العمل خلال تحقيق كبير أجرته إحدى الصحف الإلكترونية وإحدى القنوات الفضائية ولقد أبدى العديد من الكتاب المحترمين من زملائنا وأساتذتنا وجهات نظرهم الشخصية التي أحترمها وأقدرها وأثمنها بحسب منظورهم للقرار وأستميحهم عذراً بأن أضع أمامهم بعضا من المعطيات الإيجابية للقرار والتي دفعتني للموافقة وتأييد القرار. وكان من أهمها هو تحسين بيئة العمل بأن تكون ساعات العمل جاذبة للعمالة السعودية للعمل في هذه المراكز التجارية والأسواق التجارية حيث إن بقاءهم متأخرين إلى الساعة العاشرة أو الحادية عشرة سوف يؤخرهم عن أبنائهم وعوائلهم الذين ينتظرونهم في المنزل، وعلى وجه الخصوص أولئك المبتدئين حياتهم الزوجية، في الوقت الذي تشدد وزارة العمل على تشغيل العمالة السعودية في هذه المراكز التجارية والأسواق التجارية، وإذا تمت مقارنتها بالعمالة الأجنبية فإن العمالة الأجنبية لا فرق عندها في العمل حتى منتصف الليل لأن معظمهم قادمون بدون عوائلهم ولا يوجد ما يدفعهم للرجوع إلى البيت مبكراً بل إن تأخرهم في العمل لمصلحتهم الاقتصادية حيث تدفع لهم ساعات العمل الإضافية أحياناً. أما الأثر السلبي على عمل المرأة في ظل هذا الدوام الطويل يصعب على الأب أو الأخ أو الزوج بأن يدفع بها للعمل في أحد هذه المراكز في الأسواق حتى الساعة الحادية عشرة مساء ومع زحمة الأسواق تصل إلى منزلها الساعة الثانية عشرة ليلا، ولهذا أجزم بأن فئة كبيرة من الشباب والشابات طالبات العمل لن يقبلوا بهذا الدوام وبالتالي لن يحقق الهدف من قرار تشغيل المرأة. أما السبب الآخر فهو أن استمرار عمل الأسواق التجارية والمراكز التجارية إلى ساعات متأخرة في الليل يضع عبئاً كبيراً على الأجهزة الأمنية التي تعمل لحماية السكان المتسوقين. أما البعد الاجتماعي فإنني أرى أن ما بعد التاسعة مساء ينبغي أن يفرغ جزء كبير منه للمنزل ومسؤولياته من زوجة وأبناء ومن ارتباطات عائلية ومن قراءة وتثقيف أو ترفيه للأسرة في بعض المراكز الترفيهية التي لم يشملها القرار. إن قرار تحديد ساعات العمل في الأسواق التجارية حتى التاسعة باستثناء المدينتين المقدستين مكةالمكرمة والمدينة المنورة وذلك للخصوصية فيهما تعمل على مدار الساعة طوال الليل والنهار وباستثناء الإجازات الرسمية ونهاية الأسبوع وكذلك لن يشمل القرار المطاعم والمراكز الترفيهية والمقاهي بالتالي أتاح الفرصة لمن يرغب قضاء بعض الوقت خارج منزله. وإذا جاز لي الاقتراح لتكتمل الصورة أن يسمح للتجار وأصحاب المراكز التجارية في الأسواق بتعويض ساعات العمل التي حسمت مساء في فترة النهار وبالتالي بالإمكان أن تضاف ساعتا عمل للأسواق التجارية والمراكز التجارية خلال النهار ويستمر الدوام من الساعة التاسعة صباحاً حتى الساعة الثالثة عصراً مع فترة راحة ساعتين ثم يتم تشغيل الأسواق التجارية في الفترة الثانية من الساعة الخامسة عصراً حتى التاسعة مساء. وقد يقول البعض إن صلاتي المغرب والعشاء تأخذان وقتاً طويلا من ساعات العمل ويقول البعض الآخر إن تأخير صلاة العشاء للمتسوقين جائز شريطة ألا تلزم المراكز بإقفال الأسواق فترة صلاة العشاء. إن هناك فئة قد سبق أن ضممت صوتي إلى صوتها تطالب وتنادي بضرورة إيجاد بدائل للأسواق التجارية كمتنفس للعوائل والشباب والشيوخ ومن هذه البدائل دور السينما، إنشاء دور سينما كبيرة تستوعب عشرات الآلاف من الشباب والشابات الذين يجوبون المراكز التجارية والأسواق التجارية للفرجة وليس للشراء. إن القنوات الفضائية وتطور الشركات المستقطبة لخدمات الاشتراك في القنوات الفضائية أصبحت اكبر منافس لدور العرض فهي موجودة في المنازل والمكاتب ومناطق الترفيه وليس عليها رقيب وقد يكون من الأجدى إنشاء دور سينما تابعة للمراكز التجارية أو بجانبها مع وضع نظام رقابي على كل ما يعرض في هذه الدور بما يضمن الالتزام بديننا وعاداتنا وتقاليدنا. وإن كان هناك خوف من الاختلاط فبالإمكان تقسيمها بطريقة تضمن عدم الاختلاط بحيث يكون دور للنساء ودور للرجال أو أيام للرجال وأيام للنساء. إن دور السينما في جميع أنحاء العالم لم يكن بناؤها بهدف تغيير ثقافات الشعوب ولكن لأهداف عديدة منها علمية ومنها اقتصادية ومنها تاريخية وهي مناسبة لجميع الفئات بمن فيهم الأطفال. ودور السينما ليست غريبة على المملكة فقبل خمسين عاماً كنت ومن هم في جيلي نذهب لمشاهدة الأفلام في أحواش الجمجوم والبلجون في جدة والطائف ومنها عرفنا كبار الممثلين الأجانب والعرب ولم يكن آنذاك ما يمنع أو يرفض أو يجرم هذه الخدمة. إن تحديد دوام المراكز والأسواق التجارية للساعة التاسعة مساء لن يؤثر اقتصادياً وذلك بتعويض الساعات في ساعات عمل في النهار، وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة هو أمر شرعي. إن هذا رأيي الشخصي ولا أقصد به تسفيه الآراء الأخرى أو معارضة أي رأي آخر فكل من شارك في طرح رأيه أعتبره اجتهاداً منه لتحقيق المصلحة ومن باب حرية الرأي أطرح رأي اليوم.