فجعت الساحات الأدبية والنقدية الحقيقية في مصر والوطن العربي بنبأ وفاة المغفور له الشاعر والقاص غرم الله حمدان الصقاعي الغامدي أحد أفراد الحركة التنويرية شديدة الأهمية أدبيا وفكريا في المملكة العربية السعودية، والراحل الكريم نموذج يتأسى به الأدباء الشباب في طول العكوف على الأدوات ينميها ويطورها على مهل وفي أناة، ولقد ظل عاكفا على نصه لم يفلت إلى النشر منه شيئا طوال 25 سنة، ثم لم يسمح إلا بديواني شعر هما: «لا إكراه في الحب» و«لغوايتهن أقصد»، وكتاب في النقد الاجتماعي والثقافي بعنوان: «شهوة الكلام، الذهنية البدوية والتصحر الثقافي»، وفي نقد الحركة الأدبية «تحت الطبع» بعنوان «البهو وليال عشر».. والفقيد معروف في الأوساط الأدبية في وطنه وكذلك في الوطن العربي الكبير، ولعل وفاته بتونس كانت تأكيدا لمن أدمن الاختباء خلف أصبعه، فقد وافت المنية غرم الله الصقاعي إثر أزمة قلبية لم تمهله طويلا، عقب حضوره المؤتمر التاسع عشر لاتحاد الكتاب التونسيين في الفترة من 29-30 ديسمبر الماضي، وبعد مشاركته في بعض الأمسيات الشعرية بين المدن التونسية، وقد كان الراحل الكريم إنسانا مفرطا في إنسانيته، وسع الجميع بكرم خلقه، كما وسع ذائقاتهم بجمال نصه، لا تجد أحدا يختلف عليه شخصا أو نصا، على كثرة المناكفات في الحياة الأدبية بكل مكان، وهو إلى ذلك لم يكن ليجامل في حق أو نص، وربما غضب هذا أو ذاك لبعض الوقت، ولكنه سريعا ما يكتشف أي حق كان في حكمه وأي صدق كان من ورائه، ولذا فقد اكتسب احترام الجميع سواء على مستوى قبائل الأدباء أو القبائل عامة، ولم يكن غريبا أن يقع خبر وفاته على الجميع وقوع الصاعقة، فغدت المملكة كلها من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها ألسنة أسى، وكأني بأبيات المتنبي تصف حالهم حين قال (طوى الجزيرة حتى جاءني خبر، فزعت فيه بآمالي إلى الكذب، حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا، شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي، تعثرت به في الأفواه ألسنها، والبرد في الطرق والأقلام في الكتب).. ونحن إذ ننعى إلى الأمة أحد كبار أدبائها وواحد من أفراد تنويرييها، ونرجو من وزارة الثقافة والإعلام أن تعيد طبع أعمال غرم الله الصقاعي وأن تطبع ما لم يطبع من قبل، وتلحق بذلك كتابا تذكاريا عن الرجل تكلف بدراساته أعلام النقاد، فالحركة الأدبية بالسعودية والوطن العربي بحاجة إلى مثل هذا الصوت المتفرد لعل حاطب الليل من خطاها أن يستقيم على محجة جمالية ليلها كنهارها، لقد تم إهدار ريادة شعرية سابقة للشاعر السعودي «محمد الثبيتي»، ولا نريد إهدار مقدراتنا الفكرية والأدبية وهي بحمد الله كثيرة لا تكاد تحصى، ولو وجدت من يرعاها حق رعايتها لأخذت المملكة مكان الرأس من قائمة أوطان الأدب والفكر.. رحم الله الأديب والمفكر غرم الله الصقاعي وأعظم أجر أهله ومحبيه وألهمهم الصبر وحسن العزاء.