تقرير صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية الذي نشرته الأسبوع الماضي عن رسائل جهاديين فرنسيين يعانون الإحباط والخوف والملل لذويهم بعد مغامرتهم بانضمامهم لتنظيم داعش الإرهابي في العراق وسورية، لم يكن صادما، فهم يوعدون عبر رسائل دعائية احترافية من هذه التنظيمات المجرمة بمجموعة من المنافع الشخصية والسياسية كالجنس والمغامرة والإثارة، في إطار الحرب المقدسة والمعركة النبيلة لنصرة المسلمين، ليجدوا أنفسهم في أتون صراع بربري لا قواعد إنسانية له، وبدلا من تمتع هؤلاء المراهقين بتصفح الإنترنت في مقاهي الشانزليزيه، تجدهم ينتهي بهم الحال في تنظيف مراحيض الحمامات في المعتقلات ونقل الجثث والمشاركة في أعمال إجرامية كالاغتصاب والقتل. لا أتصور أن أحدا يترك عاصمة النور «باريس»، وسميت بذلك لغزارة المعارف التي نهل منها أهل المشرق ونقلوها إلى بلدانهم، ليرتمي في أحضان جماعات متخلفة وهمجية، إلا إذا كان هنالك دافع قوي وأساسي لذلك! داعش بواسطة الحشد التقني الذي أجادت استخدامه في مواقع التواصل الاجتماعي، جندت آلاف الشباب اليافعين من الدول العربية والآسيوية والأوروبية بواسطة آلية النشر المتواصل وبيانات التنظيم القوية ومقاطع الفيديو، والتي توحي بتضاعف إمكانيات التنظيم والوعد بتحقيق الدولة «العظيمة» التي تعد بالمكانة التي يمكن أن يتبوأها هؤلاء في هذه الدولة بدغدغة مشاعرهم واستغلال عوامل الظروف الاقتصادية السيئة والتحديات الاجتماعية التي يعانون منها في بلدانهم الأصلية. وفي ظل تفوق داعش وبقية التنظيمات الإرهابية في رسائلهم الترويجية لغسل عقول الشباب، باستحداث أدوات جديدة لنشر أفكاره كالألعاب الإلكترونية التي تقوم بالدعاية للتكتيكات العسكرية والترويج للبطولات الكاذبة وتوزيع القمصان التي تحمل شعار التنظيمات وصور قادته وإطلاق صحف إلكترونية بلغات متعددة لنشر إنجازات التنظيمات الواهية عبر رسائل إلكترونية لعدد كبير من المتابعين في العالم، نجد في المقابل الرسائل التوعوية التي تقوم بها الدول المتحالفة ضد الإرهاب لا ترقى أبدا لمواجهة هذا الخطر الداهم باستحداث وسائل حديثة وفاعلة تصل لعقول الشباب. كثيرون من الأجانب الذين التحقوا بهذه التنظيمات الإرهابية من فرنسا وبريطانيا وروسيا وغيرها هم حديثو عهد بالإسلام أو لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه، يسعون إلى حلم واهم ويغريهم الخطاب الإسلامي المتطرف، ويستخدمونه للتعويض عن ضعفهم وقلة حيلتهم، يسعون من خلال هذا الحلم للحصول على لقب «أبطال» وخوض تجارب مثيرة مع هذه الجماعات المجرمة. محاربة هذا الفكر الضلالي ينبغي أن يكون بفكر آخر مستنير يصل لقلوب الشباب قبل عقولهم ومبادرات عملية لاحتوائهم وتفهم مطالبهم، ولا أعتقد أن هناك اختلافا جوهريا بين محفزات الداعشي الأوروبي والداعشي العربي للانضمام لهذا التنظيم أو غيره، هموم وشجون الشباب واحدة، الرغبة في إثبات الذات والطموح بالتمكين والاستقرار الوظيفي والعاطفي.