أكد أستاذ الدراسات العليا في كلية الشريعة بجامعة أم القرى الأستاذ الدكتور صالح الغزالي أن على العالم مهمات وواجبات كثيرة في توجيه الشباب وحمايتهم من الأفكار الهدامة وتصحيح ما علق في أذهانهم من شبهات دفعت بهم إلى مستنقعات الغلو والانحراف. وقال في حوار مع «عكاظ»: هناك جوانب تحتاج التركيز عليها في معالجة الغلو والشبهات، فيتم ذلك بمعالجة تشبث الغلاة بتلك الشبهات وهي شبه معروفة يرددونها ويتعلقون بها ويسقطها الفقيه ويفندها صاحب العلم واحدة واحدة، ويبين عوارها بحجج متنوعة واساليب مختلفة حتى يصبح صاحب الشبهات من المفلسين بلا حجة ولا برهان بل مجرد دعاوى، مشيرا إلى أن تأخر أو سكوت العالم عن بيان الخطأ يؤدي إلى تقحم الجهلاء في دائرة الفتوى وتضليل الناس.. فإلى التفاصيل: كيف تتم المحافظة على نعمة الأمن؟ لا شك ان بلادنا تشهد واقعا امنيا منفردا وقد حباها الله بما لم يكن لغيرها، وتعد مضرب المثل في الامن والايمان، والله يقول (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) وعلى رأس هذه النعم الايمان والامان الذي يشعر به جميع ساكنيها والمقيمين بها في طول البلاد وعرضها، وتفيئ ظلاله الكبير والصغير، امن على الانفس وامن على الاموال، وامن على الاعراض وامن على الممتلكات. وامن حال الاجتماع والتفرق، وما ننعم به في بلاد الحرمين لم يكن لينعم به غيرنا من البلاد القريبة ولا البعيدة، ومن عجيب المنن الالهية علينا في بلدنا قل ان يجتمع صفاء في العقيدة ورخاء في المعيشة وامن ووحدة والتفاف. فهذه اعظم النعم جمعها الله لنا نعجز عن وصفها او احصاء بركتها فضلا عن اداء حق شكرها. الداعية والخطيب ما دور الداعية والخطيب والإمام في ترسيخ دعائم الأمن بكافة أشكاله في المجتمع، وما أبرز صفاته؟ الخطباء واجهة المجتمع والفقيه هو المقدم ويعتبر واجهة لأنه مرتبط بمكانة العلم والدين والخطيب تقلد منصب عظيم ولا شك ويكفي ان سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام هو اول من تقلد في هذه الامة منصب الخطابة والعلماء ورثة الانبياء كما في الحديث الحسن وهدا من هذا الميراث وهكذا الخطيب هو وارث سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام في منصب الخطابة والتوجيه والارشاد والموعظة عبر منبر الجمعة فالخطبة يوم الجمعة شرف كبير وازاء هذا الشرف هي مسؤولية عظمى. والعمل يجعل الله فيه من البركة بما شاء وجرت سنته ان يضاعف فيه البركة اذا احسن صاحبه العمل به، وقام به صاحبه على ما احب الله، وللخطيب صفات ومهام جليلة أولها واعظمها شانا اخلاص العمل لله، وأن يقول الكلمة يقصد بها وجه الله. وجميع الرسل عليهم السلام قد جاؤوا بمقصد رئيس وهو الاصلاح وهكذا جميع اتباعهم حملوا راية الاصلاح والنهي عن الفساد. ومن صفات الخطيب ان يكون في اسلوبه ما ينفع الناس وما يفهمهم لا ما يعجم عليهم ويلغز.. وكلما كان الخطيب اقرب لألفاظ الشريعة وذكر الآية والحديث كان اقرب للعقول وللقلوب ومع هذا لا بد له من ان يحسن توظيف النص وتوجيه الدليل، ويضع الشواهد في موضعها. ومنها الاعتدال في الفاظ الخطيب واساليبه لا يتكلف ولا يكون اسلوبا عاميا، ولا يتقعر ولا يأتي بالألفاظ الصعبة، بل المقصود فهم الخلق ثم المحافظة على فصاحة الكلام، وسلاسته، وكذلك مخاطبة الناس بما يفقهون لا يلغز لهم، بل الخطبة مبنية على البيان والوضوح. وأن يقصد بكلامه الحق وأن يوجه الخلق ليعلمهم ويزكيهم مع الشفقة والنصح ويقول الحق رجاء وجه الله، ويقول الحق لإقامة الحق، لا يقصد رضى احد من الخلق بنصيحته ووعظه لا ثناء ولا محمدة ولا نيل مصلحة، لا من كبير ولا من صغير. والواجب المحافظة على النعم، والتمسك بأسباب دوامها وشكر الله أول الاسباب، ثم البعد عن كل ما يخل بزوالها، والبعد عن اسباب الفرقة والعداوة والبغضاء، والله يقول( ولا تنازعوا فتفشلوا) فرتب الفشل على النزاع بلا تمهل، وهو من اكبر ما ضر اهل الايمان، والبعد عن الضغائن، والالتفاف حول ولاة الامر، وأما زرع الفتن والإحن والدسائس واراقة الدماء البريئة فلا شك انه سبب عظيم للفرقة وان يكون المجتمع احزابا متناحرة عياذا بالله. ولا شك ان حوادث القتل والاغتيال التي وقعت مؤخراً بمحافظة الاحساء وغيرها من حوادث الاجرام مؤخرا أمر بشع مستنكر ويستنكره كل عاقل وكل من اراد الخير واحب الطمأنينة لأهل هذه البلاد وأما من كان ضالا في فكره او به حسد وضغينة فهذ له شان آخر والله يتولى رد الكيد، ولولاة الامر جهد عظيم في المحافظة على امن البلاد واقامة الحدود ومعاقبة اهل الجرم نسال الله التوفيق والسداد. منابع التطرف وكيف يمكن تجفيف منابع التطرف وإعادة المتورطين فيها إلى جادة الصواب؟ من المهم ان يعلم الموجه لأهل الغلو مسألة العاطفة عند أهل الاهواء وتلاعبها بصاحبها ويعالج هذا ويعلم الموجه كذلك شبهات صاحب الغلو ويعالجها بالحجة ويعلم الموجه لأهل الغلو مكمن فهمهم المنحرف ويناقش ذلك بعلم وروية ويعلم الموجه لهم بالنصح مدى ثقتهم في غير اهل الثقة ويبين من يستحق ان يؤخذ عنه، بالحكمة والحجة لا بالتسفيه فهذا من اعظم ما يصدهم عن قبول الحق، وهكذا ينبغي له ان يزلزل البدعة بالسنة ويزلزل الباطل بالحق من الادلة، ومن المنطق الصحيح الذي يجذب المناصح أن يكون للعالم الذي يتولى النصح دراية بتمويه اهل الباطل وهذا كله لا بد له من الرسوخ في العلم. نعلم أن الشباب مطبوع على العجلة واستباق الامر الا من آتاه الله العلم والاناة. الشباب يغلب عليه العواطف والحماس، يغلب كثير من الشباب مسلك العاطفة، ثم إذا لم يتحصن بالعلم والعقل او الرجوع الى العلماء والعقلاء تكون هذه العاطفة عاصفة هوجاء كما يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وهو من العلماء الذين آتاهم الله الحكمة وتوجيه الشباب وافادتهم بالعلم والعمل. تأخر العالم لكن تأخر العالم أو سكوته عن إيضاح بعض الحقائق بحجة أنها معلومة سلفا ولا تحتاج إلى ذلك، ألا يسهم في تشتيت الناس وانقاسمهم؟ اذا سكت اهل العلم اطلت رؤوس اهل الزيغ وافتوا بلا علم وتفرق الخلق بالهوى ومن الكلام المشتهر عند اهل العلم ان العلم النقي يجمع وان الآراء المجردة والهوى يفرق، ولهذا اذا تصدى اهل العلم لوصف الدواء والمعالجة حصل العلاج وحصل الخير وحصل باجتماعهم وكلامهم ازالة المفسدة او تقليلها، واذا سكتوا وتكلم من لا علم له حصل الضرر وكل يبدي هواه بلا علم، وتفرق الخلق، واختلفوا وتنازعوا. وذكر علماء الاصول نظير هذه المسالة في الفتوى وقالوا لا بد للعالم من نظرين نظر الى الشرع والدليل ونظر إلى واقع المستفتين، واذا تكلم بالدليل بلا نظر الى واقع المستفتي لم يكن افاد العلم المقصود، وليس لكلامه حجة على المقصود. العلماء والشباب ولكن هناك نصيب كبير يفترض أن يوجه إلى الشباب لأنهم عماد الامة والأكثرية في المجتمع والغالبية المندفعة؟ هذه مسألة مهمة ان يحتوي العالم الشاب بما ينفع، وكثير ممن وقع في فخ الغلو استغل في مسلك الافساد ولم يجد من يحتوى سلوكه و عواطفه وتوجهه من مرب او اب او معلم. فالعالم يزكيهم ويربيهم على العمل بالعلم يربيهم على مقاصد الدين مع معرفة المسائل يعلمهم طهارة الابدان بالوضوء والماء ويعلمهم طهارة القلوب بالإيمان والأخلاق الحسنة يعظم لهم ما عظم الله في جانب العبادة والايمان ويعظم امر الاجتماع ونبذ الفرقة والخلاف، ويعظم لهم امر الدماء والاخلال بلحمة الامة ووحدة المجتمع وهذا كله من وظيفة العالم في تربية الشباب. ويعلم ان مسلك كثير من الشباب الطيش وعدم المبالاة بالعواقب ومحبة الخلاف والنزاع ويعلمهم ان هذا خلاف ما اراده الله واحبه. كبار العلماء لكن في بلادنا الحمد لله مرجعية علمية شرعية رسمية تقوم بدورها وواجبها خصوصا حال النوازل والمستجدات، وهذا يلقي بالواجب بشكل أكبر على بقية العلماء وطلبة العلم، أليس كذلك؟ نعم في بلدنا والحمد لله مرجع وهيئة من كبار اهل العلم ولهم جهد بارز وموفق ومسدد بالحكمة وفقهم الله وجزاهم خير الجزاء وغيرهم من اهل العلم يبين ما عنده من العلم بما يمكنه بل وكل صاحب معرفة صحيحة يتكلم بما يعلم ويرجع الى اهل العلم، اما الكلام بمجرد الظن والهوى وبلا علم فلا شك ان ضرره اكبر من نفعه. معالجة الشبهات كيف تتم معالجة الشبهات لدى هؤلاء الشباب إذن؟ هناك جوانب تحتاج التركيز عليها في معالجة الغلو والشبهات، فيتم ذلك بمعالجة تشبث الغلاة بتلك الشبهات وهي شبه معروفة يرددونها ويتعلقون بها ويسقطها الفقيه ويفندها صاحب العلم واحدة واحدة، ويبين عوارها بحجج متنوعة واساليب مختلفة حتى يصبح صاحب الشبهات من المفلسين بلا حجة ولا برهان بل مجرد دعاوى. ولا شك ان العلماء من واجبهم النصح والبيان، وواجب اهل العلم انكار المنكر وكثير من الناس لا يفهم معنى المنكر ويحصره، والمنكر كل ما خالف الشرع ليس المنكر هو الوقوع في المعصية الظاهرة فحسب. كذلك فإن من القضايا المهمة ان يتعرف العالم على الشباب وان يفطن الى حقيقة فكرهم وان يكون بصيرا بتطلعاتهم فهذا لا بد منه ليقع التوجيه محله لا ان يكون التوجيه في واد والشباب في واد آخر ليس المقصود هو بيان الحق منفردا لكن افهام الحق ثم اقامة الحق. ومن الضروري أن يكون المناصح للشباب على دراية بفكرهم وان يكون على دراية بنفسياتهم وسلوكهم وعلى قوة في الحجة ورسوخ في العلم والبيان ولولم يكن كذلك لم يثمر النصح بل ربما ازداد المنصوح تشبثا بالباطل. وظيفة العالم هناك وظائف للعالم وواجبات يجب عليه الاهتمام بها، ما المهم منها؟ هناك وظائف عديدة، فمن وظيفة العالم ان يخالط المتعلمين، وذكر بعض اهل الحديث في مجالس العلم انه يستحسن ان يكون مجلس العالم قريبا من طلابه وفي الهدي النبوي ان الرجل يأتي من خارج المدينة وسيد الخلق وإمامهم عليه الصلاة والسلام يكون معهم و بينهم ولا يعرفه القادم، صلى عليه الله وسلم اتم سلام وصلاة وهو الاسوة. والشباب لهم توجهات ولهم مؤثرات وحولهم توجيهات والعالم المتصدي لتوجيههم لا بد له من معرفة هذا كله، والنظر فيه ثم مراعاته ثم معالجته إن كان يحتاج الى معالجة أو مراعاة اما الاعراض عن هذا كله والاكتفاء بالدرس مجردا فليس من الصواب والحكمة، الدرس هو الاصل وينبني عليه العمل والتزكية والسلوك. ومن وظيفة العالم ان يشعر الشاب والمتعلم بأنه منه لا متعال عليه، يقول انا منكم وانا معكم، ونحو هذا الكلام الحسن المؤثر الذي يشعر المتعلمين بقربهم منه، وهذا من المعاني الحسنة التي لايغفلها المعلم والموجه للشباب ومن اكبر الشبه الصادة لكثير من الشباب ان العلماء بعيدون عنهم وفي معزل عن الشباب وعن الامة ولا يحسون بهم ولا يشتركون معهم في مهامهم ومقاصدهم وغيره من الظن السيئ مما يسوله ويزينه شياطين الجنة والناس ممن يزهد في كلام اهل العلم، وتوجيههم وبهذا المسلك النبوي يزيل مثل هذه الشبه الصادة عن معرفة الحق وقبوله. ومن وظيفة العالم ان يركز على جانب العلم وجانب التربية ولا يكتفي بنشر المعرفة. الشباب والانحرافات هناك مربون وعلماء يلتصقون بشكل مباشر مع الشباب في مختلف المجالس، وهناك من الشباب من تبدو عليه بعض الانحرافات، كيف يمكن لهم علاجها بشكل مناسب؟ يجب على الموجه للشاب المنحرف ان يأتي بأسلوب الشفقة ويستحضر ان صاحب الفكر المنحرف بالغلو او غيره هو صاحب مرض وصاحب مسلك شاذ، ويسعى الى معالجته، ليس مقصوده العناد او النفاق ، ويعلم ما يروج له شياطين الانس والجن من شبهاتهم ويزخرفونها فيدفعها. ومن جوانب معالجة الشباب اشغالهم بما هو حق وبما هو مباح فهذ اصل صحيح في الشريعة ولا ريب. محاضن التحصين وما المحاضن التي تعنى بشكل رئيس بتحصين الشباب؟ هنالك محاضن لتحصين الشباب كثيرة وكبيرة في مجتمعنا، أهمها العلماء الراسخون في العلم والمعروفون بالاستقامة والاعتدال، وعلى رأس هؤلاء سماحة المفتي العام الذي عرف بشفقته ونصحه ومبادراته الخيرة، وكذلك هيئة كبار العلماء بأعضائها، ومنها دور التعليم في المساجد والجامعات وحلقات الذكر والعلم في المسجد الحرام والمسجد النبوي، وعلى رأس هؤلاء في التوجيه رئيس شؤون الحرمين الذي احيا الله به حلق العلم والتوجيه بالحرمين وفقه الله وسدده واعانه. وجميع علمائنا الناصحين ومن المحاضن لجان المناصحة المخصصة لمناصحة الغالين وتوجيههم ومعالجتهم.