إذا اتفقنا على أن رواية «طعام.. صلاة.. حب» لليزبيث جيلبرت هي «فن التفاصيل الصغيرة» فهذه الرواية كتبت بفن، كتبت بأسلوب لذيذ وشيق جدا.. كتاب لا يجعلك تمل بعد الصفحة العاشرة.. هنا امرأة تعرف كيف تكتب بفن؛ بعيدا عن البكائيات المغرقة من الغلاف إلى الغلاف.. امرأة تعرف تقبض على القارئ بشكل ساحر، والسبب بكل باختصار شديد أنها كتبت دون تكلف ودون ادعاء، كتبت بصدق وبساطة فلم تراوغ ولم تدخل في البكائيات التي لا تكاد تفارق كاتباتنا، فالأنثى عندنا لا تخلو كتاباتها من البكاء ولعنة الرجال الدائمة، والعجز، حتى أصبحت تتردد كثيرا أن تقرأ لامرأة، لأي امرأة، باستثناء التشيلية الرائعة طبعا : هي لم تكرس الكتابة من أجل الوجع، وإنما كتبت لكي تتخلص منه. كما أنها كانت حريصة عن الوحدة الموضوعية في كل قسم، فهي في إيطاليا تحدثنا عن الطعام، وإذا تحدثت عن شيء شخصي لم تتحدث إلا لتعود لتحكي لنا من زواية أخرى عن ذات الموضوع، دون أن نتخطى السطور، وهنا سر الإبداع، كيف تفتن القارئ بطرق وأحداث متنوعة ليشعر بالحزن عند آخر صفحة. الكتاب ممتع وظريف، عندما كانت تتحدث عن البيتزا الإيطالية، كان الوقت ليلا وكنت جائعا فاشتهيت أن أطلب بيتزا، وفجأة كان الجرس يرن، لأتفاجأ عن هناك بيتزا تنتظرني بالأسفل!!حديثها عن الهند يجعلنا نتوقف كثيرا أمام هذه الثقافة وهذه الحضارة العظيمة جدا.. أعجبني حديثها عن «بالي» عن «عبود، أوبود» عن تلك الأجواء الإندونيسية التي أعرفها جيدا.. لقد أخرجني هذا الكتاب من أجواء رتيبة جدا، ومن قراءات جافة وعصية، إنه كتاب جدير بالقراءة.