سؤال وجهه لي أحد المهتمين في تويتر، كان السؤال صادما، لكن بعد تأمل وجدت أنه من الأفضل أن أقدم مقاربتي لهذا التساؤل البعيد عن التداول في مقال يسمح بالتوسع في عرض الموضوع لعله يحظى بمزيد من النقاش. لن أكون هنا مدافعا أو مؤكدا على التأخر بالمعنى المباشر. غير أنني سأقدم رؤيتي حول الأدب العربي من حيث هو كل واحد تغذيه آداب الأقطار المختلفة. أعتقد أن النظر لأي أدب محلي بمعزل عن بقية الأقطار الأخرى يحمل رؤية ضيقة لا مبرر لها إلا الانصياع للإيديولوجيات السياسية، فالأدب العربي جاءنا بوصفه مكونا واحدا، نقرؤه في سياق تطور مشترك لعوامل مختلفة فنية وبيئية. وعليه سأعرض رأيي في عدة نقاط: 1 أرفض النظرة المحلية للأدب العربي، فهو أدب سابق على التسميات، قارئه عربي اللسان والثقافة. 2 الوضع السياسي العربي في البلدان العربية أوجد حالة تنافسية غير إبداعية، أذكاها الإعلام وصدقها المنتفعون والغافلون. 3 الأدب العربي يستقي تطوره من مؤثرات واحدة تظهر قوتها في مناطق دون أخرى لأسباب سياسية لعل من أهمها عدم حرية تبادل المعرفة بين أدباء العربية وقرائهم، مرة بمنع الكتب، أو بتهميش الأدباء نفسهم. 4 ينظر للأدب العربي في الغرب على أنه مكون ثقافي لا سياسي من هنا جاءت معظم دراساتهم عن الأدب العربي منحازة للأدب دون قطريته. 5 حضور الأدب في بعض الأقاليم على حساب غيرها يعود لأسبقية الانفتاح على المشهد الثقافي العالمي، وخصوصا في مصر والشام. 6 مسألة التباين في مستوى الإبداع مسألة نسبية. 7 ما يقدمه المغرب العربي من خدمة للأدب العربي عبر الترجمة من الفرنسية وإليها لم يقل أحد إنها مجرد خدمة للأدب في المغرب العربي، بل عم فضلها كل الوطن العربي. 8 إسهام آداب الجزيرة العربية، بما فيها الأدب في السعودية، جزء أصيل من تطور الأدب العربي، بكل ما يقدمه من استحضار المكان وعوامل البيئة من إضافات استثنائية يرصدها المعنيون بقراءة الأدب العربي في سياقاته العامة، وليس من خلال المنظور القطري الضيق. 9 في تجربة دول الجزيرة العربية، وبخاصة النفطية منها، هناك صراع عنيف بين قيم الاستهلاك المادي وقيم المثالية الأدبية، فالأدب يعيش غربته وخصوصا الشعر، حيث يرتهن الشعراء للبحث عن النقاء ومناهضة قيم الاستهلاك، من خلال استحضار رموز الصحراء، والأسطورة، والموروثات الشعبية. وهو في النهاية موقف يحسب للأدب، إذ لم يستسلم لقيم الاستهلاك. هذه حالة لم يعشها الأدب العربي في بقية الأقاليم المختلفة، وعليه فهي جزء من فسيفساء اللوحة العامة للأدب العربي تضاف إليها لتكمل المنظور العام للأدب العربي. ولعل تجربة الشاعر المبدع محمد الثبيتي لا تقل أهمية عن تجربة محمود درويش في عمقها الإنساني وأسئلتها الوجودية، إضافة إلى نضجها اللغوي والجمالي، ولو حظي الثبيتي بجزء من الإعلام الذي حصل عليه غيره لملأ أدبه الآفاق العربية. وإذا كان الثبيتي قدر رحل رحمه الله فإن أدبه باقٍ، ومسؤوليتنا الرسمية والشعبية في نشر إبداعه قائمة. 10 أما الأدب السردي، وخاصة الرواية، فمشروعها الراهن قائم على نقد التجربة المدنية في مجتمعات الخليجي، ورصد أزمة الإنسان المعاصر في الجزيرة العربية. وهي تقوم بهذا الدور بفنية عالية استحقت معه الجوائز، واستقطبت دور الترجمة العالمية. وللتذكير فقط، فقد فاز بجائزة البوكر العربية للرواية ثلاثة روائيين اثنان من السعودية، عبده خال ورجاء عالم، وواحد من الكويت هو سعود السنعوسي، إلى جانب روائيين من مصر والعراق والمغرب. 11 حركة النقد العربي استفادت من جهود الناقد الدكتور عبدالله الغذامي الذي كان أحد أهم الرواد في تقديم النظرية البنيوية من خلال كتابه الخطيئة والتكفير، وهو كتاب يدرس في معظم الجامعات العربية. 12 تدريس الأدب العربي الحديث في الجامعات العربية يركز على الظواهر الأدبية، مع إعطاء تركيز خاص على الآداب المحلية لمزيد من إلقاء الضوء وليس لتكريس العزلة أو الانفصال عن سياق الأدب العربي. السؤال عن تأخر الأدب في السعودية سؤال في غير محله، سؤال ينطوي على منظور محلي يرى الأدب في إطار حدوده السياسية الضيقة. هذا الأدب ملتصق بالأرض والإنسان أكثر من أي مقوم آخر. أتصور أن السؤال المنطقي هو: أين موقع الأدب في السعودية من الأدب العربي؟.. فمقدمات السؤال المنطقية تفضي إلى مقاربة ثقافية سليمة. وعليه، فكل أدب محلي يعد جزءا مكملا للصورة العامة للأدب العربي. فلا تفاضل لأدب محلي على آخر طالما أنها كلها أجزاء مكملة لصورة واحدة. إن ما يوحدنا، ويربط بيننا ليس سوى لغتنا وثقافتنا وما ننتجه من أدب يعبر عن قضايانا، ويعكس احتفاءنا بالقيم الجمالية والإنسانية من حولنا.