هذه النصيحة عمرها 86 عاما وجهها محمد حسن عواد رحمه الله لأول بعثة وجه الملك عبد العزيز رحمه الله بإرسالها لتلقي العلم في مصر سنة 1346 ولم يكن قد مضى على دخوله الحجاز سوى سنوات ثلاث، وكانت تلك البعثة تتكون من أربعة عشر طالبا من الحجاز لإتمام دراستهم الجامعية في مصر: ستة طلاب من مكةالمكرمة، وثلاثة من المدينةالمنورة ، وثلاثة من جدة، واثنان من الطائف. وهؤلاء هم: أحمد قاضي، عمر قاضي، فؤاد وفا، عبد الله ناظر، أحمد العربي، ولي الدين أسعد، محمد شطا، صالح الخطيب، حمزة قابل، عمر نصيف، عبد المجيد متبولي، محمد باحنشب، عبد الله باحنشل، وإبراهيم محيي الدين حكيم، رحمهم الله جميعا. هذه النصيحة مات من نصح بها كما مات من تم نصحهم بها كذلك وبقيت أمانة معلقة في الرقاب، يتوجب على كل من يعنيهم أمر الشباب المبتعثين من أبنائنا وبناتنا أن يدركوا معنى الرسالة التي تتضمنها تلك النصيحة، كما يتوجب على المبتعثين والمبتعثات أن يطلعوا عليها ويدركوا حجم المسؤولية الملقاة على عواتقهم وما يعقده عليهم وطنهم من آمال ظلت معلقة منذ ثمانين عاما تفي بها أجيال من المبتعثين وتقصر عن الوفاء بها أجيال أخرى. نصيحة انتهز محمد حسن عواد تقديمه لكتاب ماضي الحجاز وحاضره ليوجهها لأولئك الشباب وكأنما هو يشير بطرف خفي إلى أن حقيقة كان يراها بوضوح تؤكد على أنه إذا كان الماضي مضى والحاضر في طريقه كي يصبح ماضيا فإن المستقبل معقود على هؤلاء الشباب الذين تم ابتعاثهم فهم من سيكتبون صفحاته ليكون الوطن جديرا بأن يحيا أبناؤه فيه بعز وكرامة يعوضهم عن ماض كان مجيدا وحاضر لم يكن فيه ما يستحق الفخر به. تساءل العواد في نصيحته تلك عما إذا كان قصارى جهد الطلاب المبتعثين أن ينشغلوا بدروسهم قراءة وتفهما فحسب لا أكثر ولا أقل، ثم قال نافيا أن يكون ذلك هو المأمول منهم متطلعا إلى أن يعنوا بما هو أهم من ذلك، قال (لا. وإنما عليها أن تتغلغل في فهم الحياة العامة هناك فتفحص تلك العقلية التي أمامها وتقف على ما فيها من استعداد ونشاط واتجاه وتدرس ميول تلك النفسية وخبائي «أي خبايا» عقولها.. لدرك أسرارها واتجاهاتها للعلم والفن والاجتماع) كان العواد يريد من الطلبة المبتعثين أن يقفوا على أسباب النهضة والحضارة لدى الأمم التي يبتعثون لتلقي العلم فيها فإذا عادوا إلينا عادوا وقد عرفوا تلك الأسباب ليصبحوا قادة للنهضة والحضارة ولم يعودوا مجرد طلاب درسوا ونجحوا وحصلوا على شهادات عليا أهلتهم للوظائف ولم تؤهل وطنهم لشيء.