أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أن الوفاء بمتطلبات المعاصرة لا يتعارض مع التمسك بثوابت ثقافتنا وهي ديننا ولغتنا العربية وقيمنا العربية والإسلامية، مشددا على ضرورة الموازنة بين الأصالة والمعاصرة. وقال يحفظه الله مخاطبا المشاركين في مؤتمر مكةالمكرمة من العلماء والمفكرين والدعاة في كلمة ألقاها نيابة عنه صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز أمير منطقة مكةالمكرمة: إن الوفاء بالتزاماتنا في التعاون الدولي والإنساني، لا يتعارض مع خصوصيتنا الثقافية، ذلك أن التنمية البشرية وما يتصل بها من مفاهيم كالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، لا يجوز أن تكون خارجة عن إطار البيئة الثقافية للأمة. وأمن على ضرورة وضع خطط وبرامج تنشر الوعي الصحيح وتحارب الفكر المنحرف وتصحح التصورات الخاطئة في المفاهيم الإسلامية، موضحا «نحن في المملكة استطعنا أن نجرد الفكر المنحرف من كل الشبهات التي حاول أن يجد فيها سندا له وينشر من خلالها دعايته بفضل التعاون بين علمائنا وأجهزتنا الأمنية ووسائلنا الإعلامية والثقافية، فكونا بذلك جبهة موحدة عملت على كل المستويات وفي كل الاتجاهات لإيجاد تحصين قوي ومستقر في المجتمع من هذه الآفة الدخيلة». وأكد الملك المفدى أن الثقافة الإسلامية هي التي تعرف بالأمة وتحدد وجهتها الحضارية، وتربط أطرافها بعضهم ببعض، فبهذه الثقافة يرتبط المسلم بمئات الملايين من المسلمين المبثوثين في مختلف أنحاء العالم، ويشترك معهم في الدين الذي يدين به، والرسالة التي يتبعها، والمشاعر والآمال والتطلعات التي تعتلج في وجدانه تجاه حاضر الأمة ومستقبلها، مضيفا إن الثقافة الإسلامية هي التي توحد الأمة وتصل بين شعوبها ودولها فينبغي أن يعطى لها ولمكونها الأساسي وهو الدين اهتمام أساسي في الاعتناء بالثقافات المحلية والوطنية وتنميتها، وبذلك يكون الانتماء الوطني مؤسسا على الانتماء الإسلامي في مختلف البلدان الإسلامية. وأمتنا الإسلامية أمة كاملة الشخصية لها تجربتها الحضارية المشرقة وسجلها التراثي الزاخر، إضافة إلى تميزها عن غيرها من كونها خير امة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله وتحمل رسالة الله العمالية الخاتمة وهي رسالة نور ورحمة (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا) النساء 174، وقوله تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعاملين) الأنبياء 107. فمن الواجب على الأمة الإسلامية أن تتمسك بثقافتها وتدافع عنها بالطرق المشروعة والوفاء بالتزامها في التعاون الدولي والإنساني، لا يتعارض مع خصوصيتها الثقافية، ذلك أن التنمية البشرية وما يتصل بها من مفاهيم كالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، لا يجوز أن تكون خارجة عن إطار البيئة الثقافية للأمة، وصلتنا بثقافتنا تتطلب الموازنة بين الأصالة والمعاصرة فيها، مبينا أن المعاصرة هي الاتصال الفاعل بعصرنا والتعامل مع مشكلاته وملابساته والاستفادة مما يتوفر فيه من تطورات في العلوم والمعارف ونظم الحياة المختلفة وذلك يقتضي إقامته علاقات إيجابية مع الآخرين للتعايش والتعاون في فضاء المشترك الإنساني الواسع، والوفاء بمتطلبات المعاصرة لا يتعارض مع التمسك بالجانب الثابت من ثقافتنا وهو ديننا ولغتنا العربية وقيمنا العربية والإسلامية وذلك يتطلب منا الاعتزاز بتراثنا والاهتمام به والاستفادة منه في تنظيم شؤون حياتنا. مواجهة الفكر المنحرف واستطرد خادم الحرمين الشريفين قائلا: اليوم تعيش أمتنا واقعا ثقافيا مضطربا يحتاج منكم أيها العلماء والدعاة وأصحاب الأقلام أن تدرسوه دراسة ضافية وتتبعوا أسباب الخلل فيه وتعالجوها بالحكمة والحجج المقنعة حتى يستقيم على المنهاج الصحيح الذي يتصف بالوسطية والاعتدال ونبذ التطرف والعنف والإرهاب، والأمر يتطلب تنسيق الجهود وتحقيق التعاون في وضع البرامج والخطط التي تنشر الوعي الصحيح وتحارب الفكر المنحرف وتصحح التصورات الخاطئة في المفاهيم الإسلامية. ونحن في المملكة العربية السعودية استطعنا أن نجرد الفكر المنحرف من كل الشبهات التي حاول أن يجد فيها سندا له وينشر من خلالها دعايته بفضل التعاون بين علمائنا وأجهزتنا الأمنية ووسائلنا الإعلامية والثقافية فكونا بذلك جبهة موحدة عملت على كل المستويات وفي كل الاتجاهات لإيجاد تحصين قوي ومستقر في المجتمع من هذه الآفة الدخيلة. ولئن كان التفريط في الثقافة الإسلامية والتقصير في حمايتها أحد العوامل التي أوقعت بعض أوطاننا العربية والإسلامية في بعض المشكلات فإن الاستقرار الذي تنعم به المملكة والحمد لله يستند إلى محافظتها على ثقافتها التي هي الثقافة الاسلامية، وستستمر بإذن الله على هذا المسار الذي تأسست عليه، وقد استطعنا بتوفيق الله أن نصل إلى معادلة التوفيق بين الأصالة والمعاصرة في المسألة الثقافية فلم يمنعنا التمسك بأصالتنا وبناء منهجنا عليها من مواكبة العصر والاستفادة من كل إبداعاته وتطوراته المفيدة التي لا ضرر فيها على ديننا وأخلاقنا ولم نجد في هذه المواكبة الواعية المرشدة ما يؤثر على هويتنا وانتمائنا لأمتنا وتراثها وحضارتها المشرقة. وعبر خادم الحرمين في ختام كلمته عن شكره لرابطة العالم الإسلامي ورئيس مجلسها الأعلى وأمينها العام على ما تسهم به من جهود متميزة في توعية الأمة بواجباتها نحو دينها وأوطانها وقضاياها ودحض الشبهات والأباطيل الموجهة ضد الإسلام وحضارته ورموزه ومقدساته ومواجهة الإرهاب والتطرف والغلو. وكان الحفل الخطابي قد تضمن كلمة المشاركين ألقاها الدكتور عبدالله بو خلخال رئيس جامعة الأمير عبدالقادر للعلوم الإسلامية في الجزائر عدد فيها مميزات الثقافة الإسلامية ومتطلبات إصلاح ذات البين بين المسلمين. وأشار إلى أن تجفيف منابع التطرف الفكري يتطلب إصلاح منظومة التربية والتعليم وتفعيل دور المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية والأندية الأدبية والعلمية في نشر الثقافة الإسلامية الأصيلة والعمل جماعيا على تصحيح صورة الإسلام والمسلمين عند الآخرين صورة الآخرين عند المسلمين في إطار الضوابط الشرعية والقيم الإنسانية المعاصرة مع تفعيل جمعيات المجتمع المدني ومؤسسات الاجتهاد الفقهي والمجامع الفقهية للرد على الفتاوى الضالة والمضللة. مشروع أخلاقي كما ألقى أمين رابطة العالم الإسلامي الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي كلمة قال فيها: إن البحث في الثقافة الإسلامية موضوع استحسنت الرابطة أن تجعله عنوانا لمؤتمر مكة هذا العام وأرجو أن يوفق المشاركون لتسليط الضوء على الموضوع ويقدمون مادة توجيهية تستفيد منها الأمة وتحقق حماية المنظومة الثقافية للأمة في ظل الانفتاح المشحون بالتحديات وطابع التغلب للآخر وهيمنة قيمه ومبادئه وتصوره الحضاري للحياة. وأكد «أن الثقافة الإسلامية الأصيلة أثبتت نجاحا كبيرا على مدى عدة قرون والمأمول من المسلمين أن يعملوا على إيجاد مشروع أخلاقي يجدد صلتهم بدينهم وسالف أمجادهم وحيث إن المنظومة الثقافية التي هي مصدر نظامها الأخلاقي والاجتماعي تتأثر بالعوامل البيئية ويتزايد رصيدها بصورة تراكمية مع الزمن فلابد من دراستها ومعالجة قضاياها من حيث الصالة والمعاصرة». دين الكمال ثم ألقى سماحة مفتي المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ كلمة قال فيها: يجب أن نطبق الإسلام في عاداتنا وحياتنا، ذلك أن ديننا هو دين الكمال وفيه حل لجميع المشاكل في كل مجالات الحياة وأن العقيدة السليمة هي الإيمان بالله وكتبه ورسله، مبينا تأكيد الدين على أهمية التلاحم، كما اعتنى بالأقليات غير الإسلامية في الدول الإسلامية وحفظ حقوقهم وأموالهم في ظل الشريعة الإسلامية، وأعطى الحقوق لأهلها، مضيفا: «للثقافة الإسلامية دور في تعظيم أركان الدين الإسلامي وإيضاح محاسنه ويجب أن تكون توعية المجتمعات الإسلامية بالحكمة والموعظة الحسنة والبعد عن الفئات الضالة، وجدير بنا أن نقوم بتوعية الأمة إلى الطريق الصحيح من خلال علمائها وهو وما يعتبر واجبا عليهم».