قبل 90 عاما لم تكن رحلة الحج مشوار متعة ونزهة وراحة كما هي الآن، على النقيض من ذلك محفوفة بكل الأخطار وصنوف القسوة، فكل الظروف لم تكن صالح الرحلة.. طرق برية وعرة.. حيوانات برية مفترسة.. قطاع طرق لا يرحمون.. هلاك بالعطش والجوع. لم يكن الحاج يأمن وقتذاك على حياته وسلامته، فكان يحرص أن يحمل معه كفنه قبل أن ينطلق في رحلته ولا ينسى سلاحه الذي يدافع به عن نفسه حتى لو نسي أمتعته ورحلة كهذه يبدأ الإعداد لها قبل عام. لبن وطحين ثلاثة من معمري محافظة الحائط في حائل سردوا تفاصيل مثيرة عن رحلة الحج التي كانت تبدأ في شهر شوال عبر قوافل من الجمال، الدواب والحمير كما يقول العم معتق طلق الرشيدي كانوا يستعدون للحج قبل أشهر، يجمعون تكاليفه خلال نصف عام، يوفرون المأكولات ومثل الخبز الجمري الذي تصنع من حبوب القمح والدخن حيث يعبأ في أكياس ويؤكل مخلوطا مع لبن الأغنام مع إضافة السمن والعسل له، ومن المأكولات التي يتذكرها العم الرشيدي اللبن المجفف، إذ يقطع على قطع القماش الأبيض ويعرض للشمس حتى يجف ويطحن ثم يعبأ في علب، وكانوا يحملون معهم السمن والعسل والبر والسلاح والأكفان، وتنطلق قافلة الحجاج إلى مكةالمكرمة في منتصف شهر شوال. يواصل العم الرشيدي ويضيف مع الصعوبات التي يواجهها الحجاج إلا أنهم كانوا يسعدون بالوصول إلى مكةالمكرمة.. ولا يشعرون بعده بتعب أو رهق. العم سلوم صنيدح الشويلعي روى كيف أن القافلة المتجهة للحج قديما كانت تتعرض للسلب والنهب من قطاع الطرق، لذا كان الحجاج حريصون على حمل السلاح لردع اللصوص ومنعهم من الاعتداء على القوافل وكانت رحلة الحج محفوفة بالمخاطر في رحلتي الذهاب والعودة، وكثيرا ما كانت تحدث وفيات في الطريق، ويتعرض بعضهم للمرض لعدم توافر المستشفيات، كان المريض منهم يتألم كثيرا ولا يحصل على دواء، لذا كانت القافلة تستعد للحج بالأكفان وأدوات تجهيز الموتى من الطيب والسدر وأدوات حفر القبور. وفي أي موقع تحدث الوفاة لأحدهم يجري تجهيزه بالغسل والتكفين ثم دفنه، وبعد ذلك تواصل الرحلة سيرها سواء كانت ذهابا إلى مكة أو العودة ولا يعلم أهل الحجاج ما حصل لهم في رحلة الحج لعدم توافر اتصالات. أناشيد الوداع سليمان سويلم فايز يقول إن رحلة الحج كانت في منتصف شهر شوال، حيث يتجمع حجاج القرية والقرى المجاورة وتنطلق القافلة المكونة من الدواب، الجمال والخيول إلى مكةالمكرمة، أما النساء فيعمل لهن هودج على ظهور الجمال، والهودج سرير من الخشب له حواف ويغطى بقطع من القماش، وأثناء خروج الحجاج يجري توديعهم من النساء بالزغاريد والأهازيج والأناشيد، وكان أحد الرجال ويسمى «الملبي» يودع الحجاج بالأناشيد والشعر وينطلق معهم سيرا على الأقدام حتى على بعد أكثر من 500 كيلو متر، ثم يعود المودعون إلى القرية لتواصل الرحلة سيرها إلى مكةالمكرمة. صالح سعود الرشيد الحائطي تناول الصعوبات التي كانت تقابل الحجاج في خط الساحل الرملي المحفوف بالمخاطر آنذاك، فقال كان رجال القافلة يتناوبون على حراستها من قطاع الطرق، يحملون معهم السلاح ومن الصعوبات الطرق الرملية القاسية وعند هطول الأمطار وهبوب الرياح القوية، كان الحجاج يعانون كثيرا لعدم وجود منازل أو قرى على الطريق يحتمون فيها. ويروي من جانبه العم خليف هدها الرشيدي (100 عام) عن وداع الحجاج فقال يتجمع أهالي الحارة عند عائلات الحجاج، ينشدون الشعر والأهازيج في ليلة تسمى (الوداع)، وعند عودة الحجاج يرسل الأهالي شخصا يسمى (المبشر)، لملاقاتهم بعد قطع مسافة تتجاوز ألفي كيلو متر، لتسليمهم رسائل من أهالي الحجاج للاطمئنان على أحوالهم وصحتهم، وفي نفس الوقت يأخذ المبشر رسائل من الحجاج يعود بها إلى أسرهم بأنهم في صحة جيدة وأتموا الحج. هدايا متأخرة الرشيدي يضيف أن بعض الحجاج كانوا يموتون في الطريق بسبب الجوع والعطش، فيما كانت الحيوانات المفترسة تتربص بالقوافل ويضطر الفقراء للعودة من منتصف الطريق بسبب انتهاء نقودهم. وأشار كل من الشيخ إبراهيم إسماعيل بن شويلع والمؤرخ ناصر عياضة بن عجوين إلى أنه عند وصول الحجاج إلى القرية لا يدخلونها ليلا بل يبيتون في أطرافها حتى بعد صلاة الفجر وعند قدومهم يدخلون المسجد أولا، يصلون لله ركعتين شكرا على توفيقه لهم، ثم ينطلقون إلى منازلهم ويستقبلهم الأهالي بالأهازيج وهدير رصاصات الفرح ولا يوزع الحجاج الهدايا إلا بعد ثلاثة أيام من الراحة، وكانت الهدايا مساويك ومسابح وخواتم وطواقي.