أكاد أجزم بأن من لديه أدنى بصيرة شرعية أو عقلية يدرك بلا تردد مآثر هذه النعم التي نعيشها في بلادنا جراء توحيدها تحت راية وقيادة ولحمة واحدة. كثير من الدول والشعوب تبحث عن هويات تجمعها وتنطلق منها، إلا أن الملك عبدالعزيز رحمه الله أدرك من خلال ما منحه الله إياه من بصيرة ثاقبة واطلاع على أحوال الأمم والشعوب وما نهض به آباؤه وأجداده من قيام الدولة السعودية في أطوارها المتعددة، بأن الدين وتحكيم الكتاب والسنة والصدق فيهما هو مفتاح الأمن والاستقرار لأي مجتمع أو دولة تشاد أو تبنى. وبالفعل، كان السؤال الأهم والأبرز لكثير من الباحثين والمستشرقين هو سر نجاح عبدالعزيز، وكيف استطاع جمع تلك الأقوام المتناحرة والمتشاجرة والبلاد الشاسعة المترامية. بقي توحيد المملكة العربية السعودية إحدى أعاجيب القرن لدى الغرب الذي لم يقرأ بعد سر النجاح، ولا يزال لهذا المنجز العربي والإسلامي الكبير غير مستوعب. لقد قامت المملكة العربية السعودية مشيدة أقوى وحدة عربية كبرى، واستطاعت بثبات وقوة وممارسة ناجحة أن تقيم دولة حضارية ومدنية رائعة، وأن تتجاوز كل الأخطار التي عصفت بها والتحديات الداخلية والخارجية التي طوقتها من كل حدب وصوب. كانت وما زالت تلكم النية والبذرة الصالحة التي صنعها عبدالعزيز تؤتي أكلها وثمارها اليانعة. لقد كان أمام عبدالعزيز رحمه الله في حكمه خطوط كبرى أراد العمل عليها وتنفيذها، أولها إقامة شرع الله وتوحيده، وثانيها العدل والمساواة، وثالثها العناية بالحرمين الشريفين وشرف الخدمة لهما. اليوم الوطني حالة من البهجة السعودية على كافة المستويات، ذلك أنها تذكير بالماضي واستشعار للواقع البعيد الذي ترفل فيه بلادنا، واستشراف المستقبل المشرق الذي تنتظره كذلك. إذا كانت مناسبة اليوم الوطني تحل اليوم ونحن في هذا العهد الزاهر الميمون عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله وما تعيشه وترفل به بلادنا من نهضة تنموية وتعليمية وعدلية وقضائية، إضافة إلى الجوانب الأخرى، وكذلك النقلة الإعلامية التي تعيشها بلادنا ولله الحمد إنه تطور مذهل كبير مفرح. ومن الخطأ أن يتصور البعض أننا حين نتحدث عن واقع بلادنا السابق وما كانت عليه أننا نقصد بذلك أن نتوقف على واقعنا فحسب. كلا بل هو تذكير بالنعمة وبحث عن المستقبل الأفضل الذي نطمح إليه وتطمح إليه قيادتنا. من أجمل ذكريات اليوم الوطني أن توحيد المملكة شارك فيه جميع أبناء الوطن. الكل كان يتوق إلى الوحدة والأمن والاستقرار. وتحقق الحلم والأمنية على يد الملك عبدالعزيز، وكانت مشاركات أبناء الوطن من شتى نواحيه وأطرافه شاهدة على ذلك كله. إن مناسبة اليوم الوطني فرصة للتذكير بنعم الله والعالم من حولنا يعيش ويئن في ويلات وحروب وفقر ومجاعة وفرقة وتمزق. علينا أن نحافظ على منجزنا الكبير ووحدتنا السعودية، وأن لا نسمح لأحد أن يمس هذا الكيان الوحدوي أو ينال منه. إن وحدة بلادنا وتماسكها بذلت لأجلها أرواح، وعلينا أن نحافظ ما استطعنا على ما قام به الآباء والأجداد من أبناء ورجال الملك عبدالعزيز. اليوم الوطني الرابع والثمانون للمملكة العربية السعودية يمثل اليوم حدثا مجيدا لهذا الإنجاز العظيم وصمود بحمد الله في وجوه المعتدين والمتربصين من الداخل والخارج، وذلك بفضل من الله، ثم ما قامت عليه من التمسك بالكتاب والسنة والعمل بهما ورعاية وخدمة الحرمين الشريفين والإنفاق عليهما. أدام الله الأمن والاستقرار والسؤدد لبلادنا، وحفظ الله قيادتنا وجمع دوما كلمتنا على البر والخير والتقوى.