السلفية في مفهومها العام هي العودة إلى الكتاب والسنة وفهمهما على منهج السلف الصالح، وهذا المفهوم بعموميته استطاع أن يستوعب تحت عباءته طوائف كثيرة كلها تنتمي إلى الإسلام، بل واستطاع أيضا استيعاب طوائف من اليهود والنصارى بحسب بعض الباحثين لأن هؤلاء يتطبق عليهم مفهوم العودة إلى كتبهم القديمة وأقوال سلفهم الصالح أيضا!! الواقع يقول: إن هناك أكثر من سلفية في عالمنا العربي، وكل سلفية تدعي أنها وحدها من تحمل راية الحق، ولأن مفهوم أن السلفية هي فهم الإسلام على طريقة فهم السلف الصالح له ولا يتحقق بغير ذلك فإن كل سلفية تدعي أنها من تدرك هذا الفهم وتطبقه دون مثيلاتها من السلفيات الأخرى، ومن هنا نشأ الخلاف بين أتباع السلفية حتى وصل أحيانا إلى حد القتل والتكفير بين السلفيين أنفسهم، وكل ذلك باسم الإسلام وباسم السلفية أيضا. المنهج السلفي هو المنهج المطبق في بلادنا وبحسب تعريفه الذي أشرت إليه، وقد تعزز هذا المنهج بعد دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب يرحمه الله التي ظهرت في القرن الثاني عشر الهجري، واستمر الحال على ذلك المنوال حتى قبل عقدين تقريبا، حيث برزت انتقادات كثيرة لمفهوم السلفية، واتهمها البعض بأنها لم تطبق المفهوم الإسلامي السمح، وجعلت التشدد منهجها الذي تسير عليه، وضربوا لذلك أمثلة كثيرة بحسب وجهات نظرهم، ولعلي أعود إلى هذا الموضوع في مقال مستقل إن شاء الله. وتفرع عن السلفية (العامة) نوع آخر من السلفية أطلق عليه: السلفية الجهادية، ويتميز هذا النوع من السلفية بأنه يرى أن الجهاد هو منهج التغيير في البلاد العربية، وهو فرض عين على جميع المسلمين سواء ضد العدو المحتل أو ضد الأنظمة التي يرى أنها لا تطبق شرع الله، وتحكم بالقوانين الوضعية !! وبطبيعة الحال فإن أتباع هذا النوع من السلفية يؤكدون أنهم يسيرون على منهج السلف الصالح وبحسب الكتاب والسنة. وهذه الجماعات موجودة في أكثر من بلد عربي وهي تتفاوت فيما بينها في الشدة أو في التسامح. لم تقتصر السلفية على السنة وحدهم فهناك سلفية شيعية أيضا، وبحسب الدكتور (حيدر حب الله) فقد ظهرت هذه السلفية ردة فعل على تيار التقارب بين السنة والشيعة الذي دعا إليه العلامة محمد حسين فضل الله، فقد رأى هؤلاء أن هذا التيار وضع العقائد الشيعية على مذبح التقريب بين المذاهب، وهؤلاء بحسب الدكتور يركزون على ظاهرة الشعائر بوصفها المفصح الحقيقي عن الخصوصية، ويفضل أتباع هذا التيار القطيعة الكاملة مع أهل السنة. هذا التيار تحدثت عنه أيضا كوثر الأربش في مقال نشرته في جريدة الجزيرة تحت عنوان: (هل الميليشيات نبتة سلفية شيعية) أوردت فيه بعض الشواهد على تشدد سلفية الشيعة منها قتل عصائب الحق عشرات من السنة في ديالى بينما كانوا يصلون في مسجد مصعب بن عمير، ورأت كوثر الأربش أن السلفية الشيعية تكفر المخالف وتستبيح دمه كما أنها تزدري عقيدته، وتبرر التعصب ضد السنة، ومن صفات سلفية الشيعة أن أتباعها يصدقون فتاوى مراجعهم دون الحاجة لتتبع الدليل النصي لها وهذا تسبب في وجود أرتال شيعية مسيرة بفتاوى حماية المقدسات وقتال النواصب، وضربت مثلا على ذلك بلواء أبي الفضل العباس الذي وجه للاحتراب الطائفي في سورية والعراق. الدكتور حاتم العوني يرى أن كفار قريش هم سلفيون أيضا !! فهو قال في مقال نشره في جريدة المدينة «حتى كفار قريش كانوا يظنون أنفسهم سلفيين يتبعون سلفهم الصالح ولذلك كانوا ينفرون من التصحيح الذي جاء به الإسلام» وقال أيضا: «حتى كفار قريش كانوا يعتقدون أنهم الفرقة الناجية». وبطبيعة الحال ولأن الكل يرى أنه من أتباع السلف الصالح فإن أتباع القاعدة يدعون أنهم سلفيون أيضا ومثلهم أتباع تنظيم داعش!! وإذا اتجهنا إلى الصومال والمغرب والجزائر وتونس ونيجيريا ومالي وربما غيرها فإننا نجد أن كل المتشددين هناك يدعون أنهم أتباع السلفية!! وسنجد أيضا أن هؤلاء ومثلهم سلفيو الدول العربية يقتلون بعضهم بعضا وباسم السلفية أيضا وكل فرقة تتقرب إلى الله بقتل أتباع الفرقة الأخرى أو تكفيرهم. وكما قلت في البداية فإن من يسمون أنفسهم بالسلفيين ليسوا على منهج واحد والادعاء باتباع السلف يبقى مجرد ادعاء حتى تثبت صحته، ولي عودة إن شاء الله لبحث جوانب أخرى من جوانب السلفية وتداعياتها على مستقبل المنطقة.