تتحدث الكثير من الكتابات هذه الأيام عن الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام لإصلاح المجتمع. بين من يعتب على كثرة البرامج التي تعنى بالتسلية من مسلسلات وكوميديا وأفلام ودراما، والبعض الآخر يتمنى من القنوات تسليط الضوء على خطر المخدرات والكتابة على الجدران والتأخر عن الطابور الصباحي. وهذه الملاحظة في الواقع تدل على ضعف في تصور الدور الإعلامي الفعلي. ذلك أنني أؤكد على أن التلفزيون هدفه الأساسي هو التسلية، وهذا ما أكدت عليه في أكثر من مؤتمر إعلامي. التلفزيون أداة تسلية وما يأتي من توعية في داخله فهو عرض لا جوهر، وهذا ليس تقليلا من القيمة التي تحملها الرسائل غير المباشرة غير أن الهدف الأول والأخير والأهم هو التسلية، مع كل الاحترام لأطروحات التربويين الإعلامية. هذه الكثافة الإعلانية التي تصحب برامج التسلية تعبر عن الشغف الاجتماعي لساعات من البهجة والراحة والفكاهة، التلفزيون الجاد هو ناد أدبي منقول على الشاشة أو قاعة مؤتمرات حية على الهواء. في رمضان الناس تتسمر على ما تشاء، وليس شرطا أن نوحد الأذواق إجباريا على كل البشرية. هناك قنوات تنقل الصلوات، وأخرى تنقل الدروس العلمية والفقهية، وثالثة في الطبخ، وأخرى في المسلسلات والمسرحيات، وهكذا فالتلفزيون ساحة وفضاء وبيدك «الريموت» تتنقل كيف شئت، لكن الشاشة ليست أداة وعظ وهي ليست إذاعة مدرسية، أو منبرا خطابيا عاما. لا تعتبوا معاشر التربويين على الإعلام فهو وعاء وفضاء ممتد تحكمه الرغبات الاجتماعية وهو منوط بسوق العرض والطلب، وليس بيده أي شيء يمكن أن يقدمه للمجتمع على «الطريقة الوعظية المباشرة». من هنا يكون موضع الوعظ وأسس التصحيح وأساليب التغيير ليست مباشرة أو على طريقة السياط التي يضرب بها الناس على الشاشة. كلنا ضد المساوئ التي تقع بالمجتمع، لكن تغييرها ليس مسؤولية الإعلام وحده، وكما أن الفن للفن، فإن التلفزيون للتلفزيون، والإعلام للإعلام، بعيدا عن الرسالية في التوظيف.