كانت مسيرة التاريخ شبه متوقفة، فقد هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم مكةالمكرمة إلى المدينةالمنورة، وتركوا هناك أموالهم وأشواقهم، والكعبة المسجد الحرام ومرابع الصبا، فرارا بدينهم من اضطهاد قريش والمشركين عموما. وفي العام الثاني للهجرة، علم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قافلة لقريش فدعا المسلمين لاعتراضها، وخرج من المدينة ومعه 312 صحابيا، ولما وصلوا إلى بدر كانت القافلة قد راغت منها، لكن المشركين الذين خرجوا من مكة للدفاع عن القافلة وصلوا إلى بدر.. وهي تبعد عن المدينةالمنورة نحو 150 كيلومترا، وعن مكةالمكرمة نحو 300 كيلومتر. وهناك التقى الجمعان، جمع المسلمين ومعهم حصانان لا غير وجموع المشركين وهم أكثر عددا وأكثر عدة وعتادا أو خيولا وسلاحا.. فمعهم مائة فرس وسبعمائة وخمسون من الإبل. الظروف كلها كانت مواتية للسلم، فالقافلة قد نجت رغم حرص المسلمين عليها أكثر من الدخول في حرب، وقريش ضمنت أموالها وأحرزتها، وقد حاول عتبة بن ربيعة وهو من زعماء قريش أن يرجع بقريش إذ قام فيهم خطيبا فقال: معشر قريش والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا، والله لئن أصبتموه لا يزال رجل ينظر في وجه يكره النظر إليه قتل ابن عمه وابن خاله ورجلا من عشيرته، فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب، فإن أصابوه فذاك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك فعزه لقريش وملكه لها، يا معشر قريش أنشدكم الله في هذه الوجوه التي تضيء ضياء المصابيح (يعني قريشا) أن تجعلوها أندادا لهذه الوجوه التي كأنها عيون الحيات (يعني الأنصار). لكن أبا جهل رفض رفضا قاطعا العودة إلى مكة حتى يقتتل الفريقان ويشفى صدره من المسلمين، قائلا: والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد. وفي سورة الأنفال، قال تعالى: (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين، ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون). وهكذا تواجه الفريقان: القلة المسلمة المؤمنة الواثقة بنصر الله. والكثرة المشركة المعتزة بعددها وقوتها وتفوقها. لكن النصر هو مما اختص الله به نفسه.. وذلك لا يعني التكاسل أو التواكل.. وما أن شبت نار المعركة حتى تغلب النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون على جيش المشركين وقتلوا زعماءهم.. وهزموهم شر هزيمة.. فكان يوم معركة بدر.. يوم الفرقان. وقد كان الدكتور محمد عبده يماني قد ألف كتابا وافيا بعنوان (بدر الكبرى.. المدينة والغزوة) وزوده بالصور، كما أن الشيخ محمد باشميل رحمهما الله قد ألف كذلك كتابا بعنوان (غزوة بدر) مع خرائط فمن أراد المزيد فليرجع إلى هذين الكتابين، أو يرجع إلى سيرة ابن هشام من الكتب القديمة. السطر الأخير: (وما النصر إلا من عند الله).