حين يفتح المجال - ولعقود طويلة - لأشخاص يضخون معلومات عن قدرة المقرئ على علاج أمراض جسدية، بل ووصل الأمر لوجود قنوات فضائية لتقدم هذه الخدمة، وبين حين وآخر تخرج أشخاصا متخفين يخبرون المشاهدين أنهم كانوا مصابين بالأمراض الخبيثة، لكن بفضل هذا القارئ العظيم ذهبت الفيروسات إلى الآبد. وحين تفتح المستشفيات لأشخاص يزورون مرضى ليس بينهم صلة قرابة، فيقرأون على المرضى بمقابل مادي دون وضع سعر محدد للقراءة، أو على أمل أن يقدم لهم بعض المال لهذه الخدمات التي تحولت لخدمات «طبية». ستصل اليوم إلى ما يسمى «طاسة الخلاص» التي يشتريها العطارون في مكةالمكرمة من الهند، بعد أن طلب من المنتج في الهند وضع آيات من القرآن الكريم، فتباع «طاسة الخلاص» بخمسين ريال إن كانت مرشوشة بماء الذهب، والعادية التي لم ترش بالذهب بخمسة وعشرين ريالا، وكأن الذهب يلعب دورا إضافيا في العلاج. يقول العطارون عن «طاسة الخلاص»: إنها غير محرمة، لأن ما نقش عليها ليس طلاسم وشعوذة، وأن من يشرب منها ستشفيه من «الحسد والعين والمس وطرد الأرواح الشريرة وتسهل الولادة للحامل». «طاسة الخلاص» المطروحة الآن في المملكة والتي يدور حولها الجدل، ليست إبداعا جديدا من عطارينا ودجالينا، فهذه الطاسة كانت موجودة ببلاد الشام منذ قرون، وتسمى «طاسة الرعشة» لعلاج كل شيء، وحين أصبح المجتمع لدينا جاهزا لهذه التجارة تم استحضارها لتحقيق الأرباح. ويبقى السؤال: هل سينتهي هذا الجدل والصراع بين العطار والمقرئ بمنع «الطاسة» التي كتب عليها آية الكرسي والمعوذات لعلاج كل الأمراض، فيما يستمر «المقرئون» الجوالة في المستشفيات يعملون بهذا المجال ويعالجون الأمراض الجسدية، دون منافسة من بائعي «طاسة الخلاص»، أم سيمنع مع «الطاسة» كل شخص يحاول الاتجار بالدين، ويدعي أنه ومن خلال قراءته للقرآن الكريم على المرضى يعالج جميع الأمراض؟ أيا كان القرار، لن ينتهي هذا الأمر وربما تباع «الطاسة» بأسعار أعلى بالسر إن منعت، فالقضية هنا مرتبط بالوعي وأن المقرئ لا يختلف عنك بالقراءة سوى أنه قام بدعاية كبيرة لنفسه. كذلك وهو الأهم العلم/الطب لم يجب بعد على كل الأسئلة، وهذه الثغرة يدخل منها المشعوذون ليبيعوا للمريض الوهم على أنه الأمل، وسيشتريه لأن الخيار الآخر المتاح للمريض «الموت».