اعترف مفتى مصر الدكتور شوقي علام ل«عكاظ» أن رمضان هذا العام في مصر يختلف كثيرا عن رمضان في الأعوام الماضية، واصفا الحال حاليا بأن الشهر الكريم يهل على المصريين والبلاد أكثر استقرارا وأمنا بعد تحقيق الإنجاز الثاني من خارطة المستقبل بانتخاب رئيس واختيار دستور، وبعد عام لم تكن الأوضاع فيه مستقرة إلى الدرجة التي يرى أن الأزهر والمؤسسات الدينية دفعت ثمن دعمها ومساندتها لثورة الشعب المصري. ويرى علام أن أولى الرسائل التي يجب أن يقولها في شهر رمضان يجب أن تكون لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله-، داعيا الله أن يثيبه أجر دعمه لمصر وللمصريين، مبينا أن معادن الرجال تظهر في وقت الشدائد. ويؤكد مفتي مصر أن فوضى الفتاوى الدينية يجب أن تحسم، كاشفا عن خطة لمواجهة هذا الأمر، والتنسيق المشترك مع المملكة لتوحيد الفتوى في ظل أوجه التعاون المشترك وتعزيز التعاون الديني بين المؤسسات الدينية في المملكة ودار الإفتاء المصرية في إطار السعي للحفاظ على الهوية الإسلامية واللغة العربية. ● بداية نعرف أنكم عدتم منذ أيام من زيارة للمملكة، كيف وجدتم بلد الحرمين الشريفين بشكل عام؟ وجدت المملكة كعادتها دائما أرض الخير والأمن والأمان والسلام، فمصر والمملكة هما قطبا الأمن والاستقرار في المنطقة، وصاحبا الدور الريادي في قيادة الأمة نحو التقدم والاستقرار، شاء من شاء وأبى من أبى، كما أنهما الحارسان الأمينان على ثغور الإسلام والمسلمين من كل مكائد الأعداء والمتربصين من الداخل والخارج، حيث تمثل العلاقة بين البلدين الضمانة الأقوى والعمود الفقري لأمن المنطقة واستقرارها، وقد رحب المصريون جميعا بزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، حفظه الله، لمصر مقدرين الدور السعودي الداعم لمصر بكل قوة على كافة الأصعدة وخاصة في حربها ضد التطرف والإرهاب فمواقف خادم الحرمين الشريفين تظهر وقت الشدائد، فجزاه الله عنا خير الجزاء. إننا في مصر ندرك تماما أن العلاقات بين البلدين هي علاقات استراتيجية دائمة ومصيرية وليست وقتية أو آنية، ونحن على يقين أن المرحلة المقبلة ستشهد تعميقا متزايدا وتمتينا أقوى للعلاقات بين البلدين على كافة المستويات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية، ودعما لتعزيز التعاون والتكامل بين البلدين الشقيقين، والمؤسسة الدينية المصرية الرسمية تدرك وحدة الهدف والمصير الذي يربط البلدين، وتعمل على تعميق تلك العلاقات والتنسيق المستمر وتبادل الخبرات في كافة المجالات بما يصب في مصلحة البلدين وخدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية. توحيد الفتوى ● التقيتم أثناء زيارة المملكة عددا من كبار المسؤولين هناك، وبحثتم معهم سبل دعم علاقات التعاون في مجالي توحيد الفتوى ومواجهة التطرف والتعصب الديني، كيف ترون أهمية التعاون بين المملكة ومصر خصيصا في هذين المجالين، وهل اتفقتم على أشياء بعينها وآليات محددة؟ نعم فقد التقيت فضيلة الشيخ عبدالرحمن السديس، الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، واستعرضنا خلال اللقاء الأخوي في مكةالمكرمة أوجه التعاون المشترك وتعزيز التعاون الديني بين المؤسسات الدينية في المملكة ودار الإفتاء المصرية في إطار سعينا الدؤوب للحفاظ على الهوية الإسلامية واللغة العربية لغة القرآن الكريم، وأود أن أوضح أن المؤسسة الدينية المصرية الرسمية تدرك وحدة الهدف والمصير الذي يربط البلدين الشقيقين، وتعمل على تعميق تلك العلاقات والتنسيق المستمر وتبادل الخبرات في كافة المجالات بما يصب في مصلحة البلدين وخدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية. الفارق في رمضان ● ما الفرق على المستوى الشخصي بين رمضانك هذا العام ورمضانك العام الماضي، وبين رمضان مصر في العامين الماضيين؟ يهل علينا شهر رمضان الكريم هذا العام ومصرنا الحبيبة أكثر استقرارا وأمنا وقد حققت استحقاقها الثاني في خارطة المستقبل، المتمثل في الانتخابات الرئاسية وما سبقها من إعداد الدستور الجديد للبلاد ولم يتبق سوى إجراء الانتخابات البرلمانية، والانتهاء من جميع استحقاقات خارطة المستقبل، أما العام الماضي فلم تكن الأوضاع قد استقرت بعد، وندعو الله تعالى أن يمن على مصرنا الغالية وسائر البلاد الإسلامية وفي مقدمتها المملكة بمزيد من الأمن والأمان والرخاء والاستقرار وأن يهل علينا شهر رمضان الكريم بالخير واليمن والبركات. ● رمضان مصر العام الماضي كان مليئا وكنتم مهمومين باعتصامي «رابعة» و «النهضة» والهجوم على الأزهر ومؤسسات مصر الدينية، كيف عشتم وعايشت دار الإفتاء المصرية هذه الفتنة، ومتى شعرتم بأن ثمة خطرا حقيقيا يهدد المؤسسة الدينية، ورغم الفتنة هل كنتم ترون ضوءا في نهاية النفق، وهل مرت عليكم لحظات تشاؤم، ومتى؟ نعم فقد كانت الأوضاع غير مستقرة بعد، وكان الهجوم على الأزهر الشريف والمؤسسات الدينية شديدا بسبب موقفها من دعم ومساندة ثورة الشعب المصري في 30 يونيو عام 2013. الصلاة على النبي ● لم تتعاف مصر في رمضان الحالي من الملصقات الدينية، فهناك من يرى أن الإخوان وراء ملصقات «الصلاة على النبي» وآخرون ينتقدون الانشغال بورقة كتب عليها «هل صليت على الرسول اليوم»، كيف رأيتم الأمر وكيف تعاملتم معه؟ مما لاشك فيه أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قواعد الدين ومأمور بها شرعا لأنها تحقق الطمأنينة للإنسان وبها تتنزل الرحمات والبركات، إلا أنه لا يصح اتخاذ ملصق «هل صليت على النبي اليوم»؟ أو غيره من الملصقات وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية أو إحداث خلل في المجتمع المسلم. ● زرتم في يناير الماضي مشروع «السلام عليك أيها النبي» والتقيتم بعدد من المسؤولين عنه، كيف رأيتم المشروع، وكيف يمكن التعاون بينه وبين دار الإفتاء؟ نعم.. عقب أداء مناسك العمرة، في شهر يناير الماضي قمت بزيارة لمشروع «السلام عليك أيها النبي»، وهو المشروع الإنساني العالمي الذي زاره لفيف من الرؤساء والوزراء والعلماء والقراء والدعاة وكبار الشخصيات من جميع أنحاء العالم؛ وعلى رأسهم من مصر فضيلة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، ووزير الأوقاف المصري الدكتور محمد مختار جمعة، والدكتور أسامة العبد رئيس جامعة الأزهر، والدكتور أحمد عيسى المعصراوي شيخ عموم المقارئ المصرية، فبعد يومين في رحاب المدينةالمنورة – على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم، توجهت إلى مكةالمكرمة حيث قمت بأداء مناسك العمرة وكان ذلك يوم الجمعة 24 يناير 2014م، وفي مساء اليوم التالي استقبلني الدكتور ناصر بن مسفر القرشي الزهراني – رئيس مجلس الإدارة والمشرف العام – ونائبه ورئيس قناة «السلام عليك» الفضائية فضيلة الدكتور علي بن بخيت الزهراني – في مقر المشروع بمكةالمكرمة، وقمت بجولة تفقدية وتعريفية بأهم أقسام هذا المشروع «السلام عليك أيها النبي»، وهذا المشروع يمثل بحق واجهة إسلامية حضارية تُعرِّف الناس بالدين الإسلامي ورسالته السامية السمحة من خلال تعريف وعرض وتجسيد لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم بأحدث الوسائل وأرقى سبل العرض، وتساعد على نشر القيم التي ينبغي أن يتحلى بها الفكر والعلم؛ فضلا عن قيم الجمال والمحبة والتسامح والإخاء. وهذا المشروع يعتبر نواة لأكبر عمل تعريفي حضاري إنساني بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم من خلال الكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة فقط، في محاولة لجمع المسلمين على قيم الإخاء والتسامح بعيدا عن المذهبيات والعصبيات والتأويلات، وذلك بالرجوع المباشر إلى كلام الله تعالى وسنة نبيه الصحيحة والمتواترة. وتتضمن مناشط هذا المشروع العملاق - ولأول مرة في التاريخ - متحف «السلام عليك أيها النبي» والذي يحوي مجسمات تعليمية وتربوية تحاكي الأشياء والأدوات التي ورد ذكرها في الكتب الصحيحة في ضوء القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية المطهرة، إضافة إلى الموسوعة والتي تحمل عنوان «السلام عليك أيها النبي»، والتي يتم فيها استيعاب الهدي الرباني والنبوي في شتى مجالات الدين والدنيا والآخرة، لتصبح أكبر وأشمل موسوعة إسلامية في التاريخ حيث تقارب الخمس مائة مجلد، فضلا عن جامعة ودار نشر ومكتبة ومطبعة تحمل نفس العنوان. ونحن في دار الإفتاء المصرية نتشرف بأن نتعاون مع هذا المشروع العملاق، وتضع دار الإفتاء المصرية كل إمكانياتها وخبراتها العلمية لخدمة هذا المشروع، الذي يعد من أضخم وأجل المشاريع العلمية، التعليمية والدعوية في العصر الحديث. مفاهيم فاسدة * لأول مرة نرى رئيسا يتحدث عن تجديد الخطاب الديني، في رأيكم ما هي أبرز سلبيات ومخاطر الخطاب الحالي وما هي ملامح الخطاب المنشود، وما هي الجهات المسؤولة عن تكريس هذا الخطاب؟ هذه نقطة مهمة وهي كبيرة جدا عند الرئيس عبدالفتاح السيسي، في المرحلة المقبلة، حيث تطرق إلى مناقشة هذه القضية والتأكيد عليها خلال لقائنا معه في حضور فضيلة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، ووفد قيادات وعلماء الأزهر الشريف وهيئة كبار العلماء بالأزهر، ونحن بالفعل نقوم بعلاج ظاهرة «فوضى الخطاب الديني» فعلا من خلال بيان الصورة الصحيحة التي ينبغي أن يكون عليها الخطاب الديني الذي شابه الكثير من القصور في الفترة الماضية، وبالفعل بدأنا في وضع استراتيجية لعلاج الفوضى في الخطاب الديني ومن مخرجات هذه الاستراتيجية مقال أسبوعي عن تجديد الخطاب الديني نقدم من خلاله علاجا لأوجه القصور في هذا الخطاب وكيفية الوصول بخطاب ديني يوحد ولا يشتت يقوم على أسس الوسطية الإسلامية، وسيكون هذا الأمر من خلال طريقتين: الأولى وهي الإسهام الفاعل في بث مزيد من الوعي العام لدى جماهير الأمة بهذه القضية، والعمل على بيان المفاهيم والمصطلحات الخاصة به، لأن هذا بمثابة التحصين من الوقوع في هذا الإشكال أو الفوضى، والطريقة الثانية تتمثل في العمل الدؤوب على تصحيح المفاهيم الفاسدة التي تعتري الخطاب الديني والبعيدة عن روح الإسلام الوسطي. ومن الأهمية بمكان التأكيد على دور «الخطاب الديني» في دفع عجلة البناء ودحض حجج المتطرفين والغلاة في الدين، و «ضبط الخطاب الديني» يتطلب مراجعة أمينة له وتجديدا مهما وضروريا لكي يكون دافعا للعمل والمشاركة ومحفزا على الدعم والتعاون والتدافع في الأرض لإعمارها وعمارتها، فلا بد أن يحارب الخطاب الديني الأفكار المتطرفة والهدامة التي تسعى لنشر الخراب والفتن عبر اجتزاء النصوص الدينية وتأويلها بغير حقها، وتنزيلها على وقائع وأحداث لا تمت لها بصلة، فيجب على المتصدرين للخطاب الديني أن ينتبهوا لمثل تلك الأفكار والمحاذير وأن يتصدوا لها بوعي وعلم وبصيرة عبر نشر فكر إسلامي وسطي يعبر عن صحيح الدين وسماحته وإيجابيته في الحياة الدنيا، كما أنه لا بد أن يتصف بمجموعة من الخصائص التي تناسب العصر ليكون فيه الحل لكل ما يعن للمسلم في أمر دينه، خطاب يكون قوامه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويتصف بالوسطية والاعتدال، ويكون خطابا عالميّا يخاطب الجميع ولا يقتصر على المسلمين، ويدعو إلى التفاؤل والعمل ونبذ الكسل والإحباط وغيرها من الصفات التي تقرب الناس إلى الدين ولا تكون سببا لنفورهم من الدين. ثقافة الاستفتاء ● وماذا عن فوضى الفتاوى، وهل تؤيد صدور قانون مماثل يحصرها في أهل الإفتاء ممن ينتمون للدار، أو تكون الفتوى برخصة تصدرها دار الإفتاء؟ هذه نقطة هامة وعليه سيكون الهم الأكبر عندي في المرحلة المقبلة وهو القيام بوظيفة الدار من بيان للأحكام الشرعية بطريقة منضبطة تحد من الفتاوى التي تحدث بلبلة في المجتمع وتقضي على ما يسمى بفوضى الفتاوى، وسيكون هذا الأمر من خلال طريقتين: الأولى وهي الإسهام الفاعل في بث مزيد من الوعي العام لدى جماهير الأمة بهذه القضية، والعمل على إرساء ما أسماه بعض علمائنا ب«ثقافة الاستفتاء»؛ لأن هذا بمثابة التحصين من الوقوع في هذا الإشكال، والطريقة الثانية تتمثل في العمل الدؤوب على تصحيح المفاهيم الفاسدة التي تخلفها تلك الفتاوى الشاذة والغريبة على مجتمعاتنا وعلى روح الإسلام الوسطي . القتل والإفساد ● وما سبب تزايد تلك النوعية من الفتاوى في الفترة الأخيرة؟ وما سر انتشار الفكر التكفيري مؤخرا؟ تزايدت حدة هذه الفتاوى مع صعود التيارات الدينية عقب ثورة يناير حيث ظهرت الفتاوى الدينية مصاحبة لأي بيان أو تصريح سياسي بالتأييد أو المعارضة بما يكشف يقينا توجيه هذه الفتاوى لخدمة أهداف سياسية حزبية معينة، وتوظيف الدين لاستقطاب الأتباع، واستغلال شغف الناس بالدين من أجل سحب البساط من تحت أقدام منافسيهم بإطلاق فتاوى تكفير المعارضين والمثقفين، ثم أفراد الجيش والشرطة الذين اعتبرهم أصحاب تلك الفتاوى التكفيرية «طاغوتا»، وكان نتيجة تلك الفتاوى سقوط الكثيرين من أفراد الجيش والشرطة شهداء وضحايا عمليات إرهابية جاءت استجابة لتلك الفتاوى الضالة والمضللة، كما أنه بمراجعة شرعية تلك الفتاوى التكفيرية من الجانب الفقهي ثبت أن من يطلقونها غير مؤهلين علميا ولا عقليا، لافتقادهم أدنى المعايير العلمية المعتمدة في إصدار الفتاوى الشرعية ولعدم إدراكهم خطورة ما يطلقونه من أحكام تؤدي إلى خراب المجتمعات وإحداث الفتن بين أبناء الوطن الواحد، فضلا عن جعلهم التكفير مدخلا شرعيّا للقتل واستباحة الدماء والأعراض، بما يمثل إفسادا في الأرض يهدم مقاصد الشريعة الإسلامية من أساسها. ● «داعش» والتحرش، هل نعتبرهما وجهان للنوازل المستجدة، خاصة أن الصورة غائمة بالنسبة للأولى، واختلاط الأمر على البعض ما بين ثورة العراقيين على نظام طائفي، وكونها فصيلا إرهابيا تابعا للقاعدة، كيف ترون ما يجب أن يتعامل به المسلمون تجاه الأمر؟ الشريعة الإسلامية تحرم تحريما قاطعا إراقة الدماء والاعتداء على النفس البشرية بغير حق وتجعل من يعتدي عليها كمن قتل الناس جميعا، ونحن نرفض كل ألوان الاعتداء على الآمنين الأبرياء سواء أكان ذلك عن طريق القتل وإراقة الدماء أو من خلال الاغتصاب والتحرش. وأنا حزين جدا لانتشار ظاهرة التحرش لأن المرأة هي الأم والأخت والزوجة والابنة، وظاهرة التحرش «شاذة» عن المجتمع المصري الذي يعتبر المرأة شريكة في بناء هذا الوطن، ولابد من البحث عن أسباب تلك الظاهرة وعلاجها. ● ما الذي تراه نحو اللغط الذي دار حول أحكام القضاء مؤخرا والتطاول عليها؟ يجب أن نتجنب ثقافة الفوضى والهدم، ونعمل على إشاعة ثقافة البناء والتفكر والتدبر والاهتداء والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، كلنا يقدر القضاء المصري ويشد على أزره، وندعو الله تعالى للقضاة بالثبات على الحق ونحن نستشرف مستقبلا نرجو أن يسود فيه العدل، فلا يكون المجتمع متينا إلا إذا قام على قضاء محترم يحترمه الجميع والحمد لله القضاء المصري بخير. تغيير الفتوى ● هل يتم مراجعة الفتوى بين الحين والآخر؟ نعم فالفتاوى تتغير بتغير الجهات الأربع (الزمان والمكان والأحوال والأشخاص)؛ لأنه توجد هناك ضوابط للفتوى لابد أن تراعى، وهذه الضوابط تراعي التغير في الفتوى، وتغير الفتوى يكون بتغير هذه الجهات الأربع، وهذا التغير يتعلق بالأحكام المبنية على الأعراف والعادات والأحكام الاجتهادية فقط والتي استنبطت بدليل القياس أو المصالح المرسلة أو الاستحسان أو غيرها من الأدلة الفرعية، وموضوع التغير له شروط وقواعد وليس مجرد استجابة أو إذعان لضغط الواقع وإنما هو عملية تتسم بعدة صفات منها أن تغير الفتوى بتغير ما هي مترتبة عليه؛ حيث إنها عملية تهدف إلى إبقاء الأمور تحت حكم الشريعة وإن تغيرت صورها الظاهرة، وهي ليست خروجا على الشريعة واستحداثا لأحكام جديدة، فالتغير في الفتوى هو تغير خاص من حيث الزمان والمكان والأشخاص والأحوال. بيت الزكاة ● هل تثق في جدوى إنشاء «بيت الزكاة» خصوصا وأن مما يتسرب عن المشروع أنه سيكون هيئة مستقلة تجمع الزكاة اختياريا ممن يريد، وهل يمكن أن يسهم في توجيه الزكاة لمصارفها الحقيقية؟ بالطبع فسوف يكون هذا المشروع هو الأفضل من خلال التنظيم بصورة أفضل وتحقيق استفادة الفقراء والمحتاجين وتوجيه الزكاة لمصارفها الثمانية الشرعية. المجامع الفقهية ● هل من الممكن أن تتفق المجامع الفقهية ودار الإفتاء على رأي موحد؟ نحن في دار الإفتاء المصرية ملتزمون بالفعل بمقررات المجامع الإسلامية وعلى رأسها مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف، وهيئة كبار علماء الأزهر الشريف، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة؛ وخصوصا في القضايا العامة في الأمور المستحدثة وتشتد حاجة الناس للفصل فيها بشكل جماعي، كما أن الفترة المقبلة بحاجة إلى العمل الجماعي من أجل إحداث الثراء الفكري والفقهي بما يعود على الأمة بالنفع والخير. ● هل ترى أن المسلمين بحاجة إلى التقريب بينهم وخاصة ونحن في شهر رمضان الكريم؟ كل عمل يساهم في التقريب بين المسلمين بعضهم البعض عمل طيب وحسن، طالما أنه يذهب لإزالة روح الفرقة والنزاع والتناحر، وعلينا جميعا أن نتبنى هذا الاتجاه وندعمه لأنه يصب في صالح الأمة الإسلامية التي تستمد قوتها من وحدة أبنائها، بحيث نعبر هذه العثرات لنعود صفا واحدا ننبذ الفرقة لقوله تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}، وأن نتمسك بحبل الله تعالى لقوله: {واعتصموا بحبلِ الله جميعا ولا تفرقوا}، وأعتقد أن مثل هذه الأجواء الروحية تساهم بشكل كبير في إزالة الخلاف بين أبناء الأمة، من أجل أن يتوحدوا جميعا على كلمة سواء. مصطلح غربي ● البعض يرى أن تصاعد الأصولية في العالم العربي وراء موجة الكراهية للعرب في الغرب، كيف ترون ذلك؟ هذا المصطلح غربي ولا يوجد في أدبيات الدراسات الإسلامية استعمل للدلالة على العناصر المتمسكة بالتعاليم التقليدية، والأفكار المستوحاة من النصوص الإنجيلية والقديمة عند البروتستانت، ولقد نشأت الأصولية المسيحية وظهر هذا المصطلح نهايات القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين على يد الكنيسة البروتستانتية في أمريكا، وبسبب تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب وكراهية كل ما هو إسلامي مع ظهور حالة من تنامي الصحوة الإسلامية وظهور المظاهر الإسلامية كالحجاب واللحية والدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية إضافة إلى أفعال بعض المسلمين التي تميل إلى العنف وعدم الالتزام بجوهر الإسلام، كل هذا جعل الغرب يعيش حالة من القلق ووصف المسلمين بالتطرف وهو مقابل كلمة أصولية ولم يقصر الإعلام الغربي في إشاعة هذا الوصف لما يحمله من عداء للإسلام وعدم الحيادية في تناول هذه القضية مستندا في ذلك إلى الصورة النمطية المشوهة عن الإسلام والتي جعلت الغرب يكره كل ما هو إسلامي، وهذا أمر مرفوض تماما لما يمثله الإسلام من وسطية واعتدال وبعد عن التشدد والمغالاة ورفضه لكل أنواع الإرهاب، والذي حرص الإسلام عليها من خلال المقاصد العليا للشريعة الإسلامية التي أعلت من شأن الإنسان وراعت كل حقوقه وواجباته، إضافة إلى نفي صفة الكهنوتية عن الإسلام. الوطن أولا ● في رمضان، ما نصيحتكم لكافة التيارات السياسية؟ أولا نريد منهم أن يجتمعوا على هدف واحد وأجندة وطنية تعلي الشأن المصري والوطني في نفوس الناس، نريد منهم أن يبدؤوا في مشروع حول نهضة تعليمية تعطي أولوية للبحث العلمي؛ لأن في تجارب الأمم أن التعليم والبحث هما قاطرة التقدم في العالم، كما نريد منهم المساهمة في حل الأزمات لكي يفتحوا الباب لاجتذاب الاستثمارات، وهذا يتطلب تحقيق الأمن والاستقرار في مصر، وثانيا ليكن شعارهم في المرحلة القادمة هو الوطن أولا والمواطن أولا وإخلاص النية لله تعالى، والعمل على الشأن العام الذي يرفع عن المواطنين العناء وييسر لهم سبل العيش الكريم. ● وهل تعتقد أن هذا الحالة من الشقاق ربما تؤثر على الأوضاع العامة للبلاد؟ وكيف يكون الحل؟ طبيعي أن عدم الاستقرار في أي دولة في العالم أول ما يتأثر بها هو الوضع الاقتصادي، وعليه لابد للمصريين توخي الحذر والانتباه إلى المخاطر التي يواجهها الوطن في الوقت الحالي، والتي منها الجانب الاقتصادي نحن بالفعل في أشد الحاجة إلى الأموال الطائلة التي تهدر في عمليات التناحر السياسي لتنفق في عملية بناء المجتمع في التعليم والرعاية الصحية والبحث العلمي وغيرها، ويكمن الحل بأنه على كل أبناء الوطن التمسك بالمبادئ والقيم الإسلامية، والرجوع إلى الأخلاق المصرية الرفيعة ونبذ كل دعاوى التصنيف والتقسيم والكراهية والتمييز وازدراء الآخر من أبناء الأمة والمجتمع الواحد، ونحن ليس أمامنا إلا خيار واحد هو الوحدة والتماسك والتوافق والعمل الجماعي الصادق والفعال نحو بناء مستقبل جديد وواعد لأبنائنا وأحفادنا لنستحق أن نكون كما كنا نموذجا حضاريا ديمقراطيا يحتذى بين شعوب العالم. التعرض للنفحات ● كيف تعيش شخصيا رمضان هذا العام؟ في قراءة القرآن الكريم والتقرب إلى الله تعالى والاستفادة قدر المستطاع من هذه الأيام المباركة في طاعة الله عز وجل، مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إن لله في أيام دهركم لنفحات، ألا فتعرضوا لها، فلعل أحدكم تصيبه نفحة، فلا يشقى بعدها). ● حدثنا عن تفاصيل يومك الرمضاني؟ أحرص على قراءة القرآن الكريم والتقرب إلى الله تعالى لأن شهر رمضان من أفضل وأعظم الشهور عند الله تعالى، وأدعو المسلمين إلى استغلال هذه الأوقات والنفحات الربانية في التقرب إلى الله تعالى وطاعته. ● هل لديكم وقت للأسرة والأهل والأصدقاء بعد مشغولياتك في دار الإفتاء؟ أحرص قدر المستطاع على عدم الجور على الوقت المخصص للأسرة والأهل والتأسي بقول الرسول صلى الله عليه وسلم «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي».