أكد عدد من المثقفين والكتاب العرب على أهمية الدور الذي تلعبه الثقافة المصرية في نشر المعرفة والثقافة والفن والأدب في العالم العربي ومدى تأثيرها على واقع الثقافة العربية عامة والسعودية خاصة، مطالبين بضرورة استعادة الدور الثقافي المصري بعد أن توقف نظير الأحداث الأخيرة بعد الثورة المصرية وبعد أن استقرت الأوضاع بانتخاب عبدالفتاح السيسي رئيسا لمصر. الأكاديمي والباحث الدكتور عاصم حمدان أكد أن مصر تعتبر البوتقة التي تنصهر فيها كل الحضارات والثقافات المختلفة وكان تأثيرها في الثقافة العربية عموما والسعودية خاصة واضحا وجليا، فجيل الرواد ومن بعدهم تأثروا بكتابات لطفي السيد والعقاد وطه حسين والرافعي وزكي نجيب محمود وعبدالرحمن بدوي وتوفيق الحكيم، كما أن الأسناد والمعلم القادم من مصر في الحقبة الماضية له دوره من الفعالية والتأثير بحيث لا تخطئة العين، مشيرا إلى ضرورة استمرار هذا الدور وأهميته للثقافة العربية عامة. أما الكاتب محمد رضا نصر الله فقال «للتجربة الثقافية والأدبية المصرية تأثير بالغ في مجمل التجارب العربية وفي مقدمتها التجربة السعودية. فقد كان النموذج المصري يشكل احتذاء لمعظم من كتب الرواية متأثرا بنجيب محفوظ أو الشعر متأثرا بشوقي وعلي محمود طه وأمل دنقل ولا ننسى هنا جيل الرواد من الأدباء الحجازيين خاصة من كانوا بالغي التأثر بالأطاريح في كل مجال من مجالات المجتمع والثقافة» ويرى الشاعر محمد الدميني أن الثقافة الحديثة أتت إلينا من مصر والشام والعراق، وبعيدا عن أن أسرد أسماء كبيرة صنعت الثقافة المصرية من محمد عبده وليس انتهاء بنصر حامد أبو زيد، فإن ثقافة مصر منحتنا التعرف على نظريات التنوير والتقدم في الفكر والفلسفة والتاريخ والحضارة وفكرة الحرية والتعددية والانفتاح على الحضارات الأخرى أتت من مصر أولاً، وحتى أوائل بعثاتنا التعليمية كانت تذهب إلى مصر، وأضاف الدميني أعتقد أن علاقة التأثر الخلاقة هذه قد انقطعت مع نمو التصعيد الأصولي المتطرف لتحتل منابر الثقافة والجامعات وتوقف المد العلمي والثقافي في مصر وهو ما انعكس مباشرة على حياتنا الثقافية فأصبح طه حسين مطاردا وألف ليلة وليلة تحرق في الميادين ويتم إرهاب نجيب محفوظ واغتالوا فرج فودة، مؤكداً تأثرنا بمكونات الثقافة المصرية ليس في حقل الكتب والمفكرين لكنه جرى في حقول أخرى كالمسرح والتشكيل والسينما والتلفزيون، كلها فنون أثرت في أجيالنا الأولى ولا تزال، لكن الأمل هو أن نتصل مجددا بالمنجزات الجديدة في حقول الفكر والثقافة وأن تخف موجة الأعمال الرديئة من شاشاتنا ومكتباتنا التي طوقتنا طيلة عقود، فيما يذهب الروائي والقاص عمرو العامر إلى أن أثر الثقافة المصرية على الثقافة السعودية والعربية إجمالا كبير وفي جميع المجالات إذا أخذنا الثقافة بمعناها الأشمل كالكتاب والمسرح والسينما والفن. اضافة الى الدوريات والنشرات وكلنا كبرنا على نتاج طه حسين والعقاد ونجيب محفوظ ويوسف ادريس وعبدالرحمن بدوي وروايات دار الهلال والمعرفة وإقرأ والقائمة طويلة. لكن دور هذه الثقافة خفت كثيرا في السنوات الاخيرة نتيجة لتدني مستوى الحريات الذي انتج جيل الخمسينات والستينات ونتيجة لتطور مراكز ثقافية اخرى كبلاد المغرب العربي والكويت وبالطبع لبنان. ثم ان الاخوة المصريين ايضا ظلوا على نوع من الانعزالية وهذا ما افقدهم الدور التنويري الرائد، والثقافة لا تنمو الا في مناخ حر وهو ما افتقدته مصر في السنوات الاخيرة، لكن مصر تظل دوما مؤهلة لاستعادة دورها القيادي والتنويري من خلال بنيتها المؤسساتية وموقعها في قلب العالم العربي ومن خلال كثافتها السكانية، فهل يعود دور وتأثير مصر، ويرى الكاتب السوري نجم سمان أن ثقافة مصر مؤثرة بالطبع ولها تأثير باعتبارها إحدى مراكز الثقافة العربية التي تضم دمشق وبغداد ومن بعدها بيروت أكبر ناشر للثقافة العربية ومنذ عقدين انضمت الثقافة المغربية لتكون مركز اشعاع ثقافي ،إلا أن مصر كانت بسبب استقرارها سعت مؤسساتها ومنها مؤسسات الإعلام التي أسسها شاميون هاجروا من البطش العثماني إلى فضاء الحرية والانتاج المصري ولهذا استطاعت تسويق مثقفيها على نطاق اكبر من مثقفي الدول العربية الاخرى التي لم تكن تعرف الاستقرار بسبب الاحتلال والحروب وبخاصة بلاد الشام، ويصف الروائي أحمد الدويحي مصر بالمعلم الأول إذ أن تأثيرها سحري نظرا لعاطفتنا القوية تجاهها فمصر يكفيك حتى وإن لم تكن مثقفاً وقرأت لمفكريها وكتاب الرواية من المصرين أن تطبع كتاباتهم روحك بطابع إنساني بكل أطياف الإنسان عبر عقود من الزمن، وأضاف الدويحي حتماً لا بد أن يكون أحد المعلمين المصريين المؤثرين في حياتنا اليومية دراسيا وثقافيا وتربويا ودينيا كون الأزهر مصرياً، ويلفت إلى أن مصر هي القلب الذي يضخ في شرايين العالم العربي من الثقافة العربية والعالمية ما دخلت به كل بيت عربي عبر الأفلام والمسلسلات والمسرحيات المصرية التي نتابعها كل يوم منذ النصف الثاني من القرن الماضي وقبل أن تبدأ بعض العواصم العربية في الانتاج الفني، ويؤكد أنه لا تستطيع دولة عربية أن تخطو بدون الخبرة والتجربة المصرية، مستعيداً الحقب الجميلة حين كان الإنسان العربي يسافر إلى مصر لحضور مسرحية أو حفل غنائي يبث من القاهرة، ويدعو إلى استعادة فضل مصر على كثير من الفنانين و الكتاب العرب إذ كانت القاهرة نافذة للبروز والشهرة، ويصف اللهجة المصرية السهلة بما تحمله من الفكاهة بالفاتنة والمفتنة لكل مواطن عربي لبساطتها وسهولة نطقها، مؤكدا تأثير الثقافة المصرية، ويرى المسرحي محمد ربيع الغامدي أن الانسان كائن تثاقفي يؤثر ويتأثر، وتأثير الجزيرة العربية أقاليم مجاورة أمر مؤكد وكذلك تأثرها بثقافات مصر والشام وشمال افريقيا أمر لا تعوزه الشواهد، ولكن في غمرة ذلك التثاقف تبرز طفرات كبرى تترك هزة في موقعها وفي محيطها ومن ذلك مثلا مدرسة الديوان التي قام عليها الثلاثة شكري والعقاد والمازني ووصل تأثيرها إلى الحجاز. وقال الدكتور موسى مصطفى العبيدان عضو هيئة التدريس بجامعة تبوك «لا ينكر أحد ما للثقافة من دور في مواجهة التطرف والإرهاب من خلال التثقيف ونشر الوعي بين أوساط المجتمع وكشف حقائق ومخاطر هذا الفكر الضال الذي يحرق الأخضر واليابس ويعود بالمجتمعات المتحضرة إلى أتون عصور الظلام ويكشف عن الوجه القبيح في مصادرة الأفكار والإبداع والرأي الآخر، ومن هنا تأتي أهمية مواجهة هذه الظاهرة وتوحيد الجهود للوقوف ضد التطرف من خلال توحيد الجهود للعمل على إنتاج خطاب ثقافي واع لمواجهة التطرف والإرهاب وتعرية هذه الظاهرة الخطيرة وكشفها للمجتمع وبالتالي تأتي أهمية خلق وعي متكامل في كافة النواحي من كتابات للمثقفين توضح باستمرار البعد عن هذا التطرف في أوساط المجتمع. ويؤكد الدكتور نايف الجهني رئيس نادي تبوك الأدبي على خطورة وأهمية أن يلتفت المثقفون لمثل هذا الحدث وأن تتكامل جهودهم لمواجهة ذلك وأن يخلقوا الوعي لدى المجتمع بأهمية مواجهة هذا الظرف السلبي المظلم الذي نتج جراء التطرف والإرهاب وما يقوم به من أفعال لا إنسانية والتي تفسد ما تبقى من أواصر المحبة والألفة بين الناس، مشيرا إلى الدور الفعال والكبير للثقافة في تغيير الأفكار وتثقيف الشباب وتوعيتهم من خلال الأنشطة والندوات الثقافية وكشف أفكار من يتبنى هذا الفكر الضال والأخطار المترتبة نتيجة تبني هذه الأفكار ولهذا فلابد للمثقف أن يعي دوره في توعية المجتمع وتنقية أفكاره من كل فكر متطرف ضال ونشر قيم التسامح والتعايش والقبول بالآخر. أما الدكتور يحيى محمد العطوي الباحث الاجتماعي بتبوك فيرى من وجهة نظره بأن الثقافة هي طاردة للإرهاب لأنها تحمل في مضمونها أبعادا عميقة واتساع أفق مما تجعل المثقف أكثر إدراكا بما يحمله فكر الإرهاب من سلبيات ستنعكس على بلده وعلى نفسه مستقبلا وأي بلد يهتم بالثقافة ستجد أنه لا يعاني بتاتا من وجود الإرهاب إلا في حالات نادرة يكون مصدر الإرهاب خارجيا وليس من الداخل. مضيفا بأن للكلمة دورها الأساسي والقوي في إصابة الهدف المحدد تجاه التطرف والإرهاب، ولذا أدعو وزارة الثقافة لتبني حملة واسعة النطاق في مواجهة آفتي التطرف والإرهاب وستجد كل النخب الثقافية في مقدمة الصفوف لاسيما عندما يكون الهدف هو الوطن والوطن وحده.