اتسع دور الدولة الحديثة، وتعددت خدماتها، وتعقدت إجراءاتها، ونما جهازها الحكومي وتشعب، وواكب ذلك إمكانية إساءة استخدام الموظفين الحكوميين للسلطة المخولة لهم، أو امتناعهم عن تقديم الخدمة، أو سوء معاملتهم للمواطنين، أو حدوث انحراف إداري. ومهما وضع الإنسان من نظم لإدارة شؤون الدولة، ونظم للمتابعة، وأخرى للمحاسبة، إلا أن المواطن يظل ينظر إلى شخص الحاكم، على أنه المنقذ من تعقيدات هذه النظم، والحكم بينها، وهو ما يجعل فتح نافذة ميسورة للشكوى من مظان الظلم، وتابعة للديوان الملكي مباشرة، أمرا غاية في الأهمية، فهو يعطي المواطن إحساسا بأنه قد وضع شكواه في يد الحاكم نفسه، الذي يراه دائما منشغلا بأمره، وعونا له على من يظلمه. ويمثل موقع تواصل التابع مباشرة للديوان الملكي أسلوبا نافذ الفاعلية لحل المنازعات بين المواطنين وأجهزة الدولة، ووسيلة للتحقق من شكاواهم ورد المظالم إلى أصحاب الحقوق منهم، وخصوصا تلك التي لا تحتاج إلى إجراءات قضائية للفصل فيها. ونحسب أن الموقع لا يقتصر دوره على مجرد تلقي الردود والتفسيرات التي تقدمها الجهات الحكومية، وإنما يمتد ليشمل التفاعل والمشاركة بالرأي والنقد وإظهار الأخطاء والسعي للحل دون الحاجة إلى وسطاء متخصصين في المجالات المختلفة، كما أنه بقدرته على التنسيق مع الجهات والأجهزة الرقابية والقضائية يمثل إحدى وسائل تفعيل «الحوكمة»، بما تشمله من مفاهيم الشفافية والمساءلة والعدالة والرقابة ومكافحة الفساد، والتي تمثل في مجملها منظومة لمراقبة الجودة على الأداء الحكومي. ويلتزم موقع تواصل بشفافية الإجراءات، والتي تعني تقديمها دون تعقيد، وبصورة يسهل فهمها بواسطة المواطنين، وهو أمر هام لتحقيق الغرض من إنشائه. كما يتم تعزيز تلك الشفافية عندما يستطيع المواطن متابعة ما تم بشأن شكواه مباشرة من الموقع، دون الحاجة للاتصال بجهة ما، وهو ما يتيحه الموقع بالفعل. ويمكن، مع الوقت، إتاحة تقارير دورية عن الأداء الحكومي عبر هذا الموقع، من خلال نشر إحصائيات بما تم حله من مشاكل وقضايا، والجهات التي كانت تتبعها، بما يمثل إبرازا لدور الموقع في حل شكاوى المواطنين، كما يمثل في الوقت نفسه توجيها لنظر الجهات الحكومية، أو الموظفين العموميين، أصحاب أعلى نصيب من الشكاوى التي تم حلها. ومن المهم في هذا الشأن ألا يكون الموقع بمعزل عن جهات أخرى في الدولة، مخصصة لتلقي شكاوى المواطنين، وذلك منعا للازدواجية أو لتكرار الجهود وإهدار الوقت، فمن المفهوم أن المواطن المهموم بأمر شكواه، والذي يرى أنه صاحب حق ضائع، لن يتوانى عن تقديم نفس الشكوى إلى كل الجهات، وليس عليه لوم في ذلك، ومن هنا فإنه يقع على عاتق الموقع تحقيق التكامل مع كل جهات تلقي الشكاوى، وهو ما يمكن تحقيقه بسهولة من خلال استخدام معطيات تقنية الاتصالات والمعلومات. لقد وقعت المملكة العربية السعودية في عام 2004 على اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد، والتي جاء في ديباجتها أن مكافحة الفساد مسؤولية تقع على عاتق الدول الموقعة على الاتفاقية، كما تحدثت عن الإنصاف والمسؤولية والتساوي أمام القانون، وضرورة صون النزاهة وتعزيز ثقافة تنبذ الفساد. ونحسب أن موقع تواصل خطوة مهمة في هذا الشأن. * أستاذ علم المعلومات جامعة الملك سعود عضو مجلس الشورى