يركز مؤتمر حوار الحضارات والثقافات، الذي عقد في مملكة البحرين خلال الأسبوع الماضي، على أهمية الحوار فيما بين الحضارات والثقافات، على اعتبار أن الخلافات والنزاعات القائمة بين البشر وما فيها من مظاهر الكراهية والعداوة والعنف البالغ حد القتل وإسالة الدماء، ما هي إلا بسبب الاختلافات الظاهرة بين الحضارات والثقافات العالمية، وأنه متى أمكن إيجاد التقارب والتفاهم بين تلك الحضارات أمكن القضاء على الشر في العالم. لكن من يصغي إلى المتحدثين الممثلين لمختلف الحضارات والأديان، يكاد لا يسمع منهم سوى التأكيد على أن حضاراتهم وأديانهم وثقافاتهم كلها تدعو إلى إشاعة التسامح والاحترام والبعد عن العنف، ابتغاء توفير حياة مملوءة بالسلام والوئام لكل الناس، وهو ما يوحي بأن جميع الحضارات والثقافات والأديان، وإن اختلفت في كثير أو قليل من مظاهرها، تظل تلتقي على غاية واحدة، هي نشر المحبة والسلام بين البشر. أمام إعلان البراءة هذا، تجد نفسك في حيرة تتساءل إن كان الأمر بهذه الصورة فلم يعيش العالم ما يعيشه من صراعات ونزاعات وحروب وشرور لا تنقضي؟ أين العلة إن لم تكن في اختلاف الأديان والحضارات والثقافات فيما بين الأمم؟ إن هذا يجعلنا نعيد التفكير فيما يحاول بعض المفكرين إقناعنا به من أن علة الخلافات بين البشر هي في اختلاف الحضارات والثقافات وأن اختلاف المكونات الثقافية لها كاختلاف القيم والمبادئ والأديان يجعلها ميدانا خصبا لظهور الخلافات بين أتباعها!! وهذه الفكرة قد تبدو صحيحة في عيون كثير من الناس الذين يؤمنون أن اختلاف الحضارات في العالم هو العلة في التصادم بين الناس والأمم، لكنهم يغيب عنهم أن الاختلاف ما كان له أن يتسبب في الصراع والتصادم لولا وجود الأطماع البشرية الكامنة في تركيبة النفس الإنسانية، التي تملي على الناس الرغبة في الإعلاء من شأن الذات ومحو الآخر. أليس من الأقرب أن يقال إن الطمع البشري وليس اختلاف الحضارات هو علة الصراع بين الناس؟ فالاختلاف مهما بلغت درجته لا يسبب كراهية ولا يحدث عداوة ولا يوقد نزاعا، ما يحدث ذلك هو ما تنطوي عليه نفوس البشر من أطماع تجعلها ترنو إلى إخضاع الآخر ليمتثل لرغباتها، وتكون لها عليه السيادة فتديره حسب ما تهوى. كنت أتمنى لو أن المتحاورين ركزوا على البحث عن آليات يقضى بها على أطماع البشر، وإن كنت أشك في أنهم سينجحون !