أكد صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية أن المملكة تشهد حراكا مجتمعيا واسعا، وهي تمضي بخطى واثقة نحو بناء اقتصاد أكثر تنوعا ينطوي على محتوى معرفي أعلى، وأقل اعتمادا على الموارد الطبيعية. وأشار سموه، في كلمته التي ألقاها نيابة عنه، وزير الاقتصاد والتخطيط الدكتور محمد الجاسر، في افتتاح مؤتمر «الاقتصاد المعرفي ودوره في التنمية الوطنية»، الذي تنظمه وزارة الخارجية بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والتخطيط، في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات في فندق الإنتركونتننتال في الرياض إلى اعتماد المملكة «استراتيجية التنمية بعيدة المدى للمملكة 2025» رؤيتها المستقبلية الرامية إلى التحول إلى «اقتصاد متنوع، مزدهر، يقوده القطاع الخاص، ومجتمع قائم على المعرفة». وقال سموه: إن انعقاد المؤتمر في هذا التوقيت هام جدا، إذ تشهد المملكة تحولات كبيرة على عدد من الأصعدة الديموجرافية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية، وتتفاعل المملكة في ذلك مع التحولات الدولية بخطى تبني واقعا متطورا ومستقبلا واعدا، إذ شهدت معظم دول العالم مؤخرا تحولا اجتماعيا واقتصاديا واضحا نحو ما يسمى بمجتمع المعرفة والاقتصاد القائم على المعرفة. وأضاف: ينتج هذا المجتمع المعرفةَ وينشرها ويستثمرها لتحسين مستوى المعيشة، ونوعية الحياة لمواطنيه بشكل مستدام، وينطوي التحول إلى مجتمع المعرفة على أبعاد اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية ومؤسسية في كل القطاعات. وأشار إلى أنه قد صاحب هذا التحول في كثير من الدول تغيير في بعض السياسات الاقتصادية، انعكس في توجيه اهتمام أكبر لكل من الابتكار واستثماره في جميع القطاعات، وتعظيم دور التقنية ومناحي توظيفها، وتنمية نشاط ريادة الأعمال، وتطوير التعليم، وإرساء قواعد التعلم مدى الحياة، وبناء مهارات القوى العاملة على أسس حديثة ومتقدمة، إضافة إلى انتقال الإدارة من الهياكل الهرمية إلى الشبكات الأفقية سريعة التفاعل مصحوبة بإصلاحات هيكلية جذرية. وأفاد سموه: أن إحداث هذا التحول الشامل في السياسات أدى ويؤدي بالضرورة إلى إحداث نقلة نوعية على صعيد القدرات الإنتاجية والتنافسية للاقتصاد، يتغير على أثرها منحنى النمو الاقتصادي، إذ يزداد معدل النمو بشكل ملحوظ، بحيث ينتقل من منحنى النمو السائد لدى الدول النامية إلى المستوى السائد لدى الدول المتقدمة التي تحولت إلى مجتمع المعرفة، مشيرا إلى أن دولا نامية عديدة شهدت مثل هذا التغير منها كوريا الجنوبية، واليابان، وسنغافورة على سبيل المثال. وأضاف: أن تنظيم هذا المؤتمر يأتي استشعارا لمدى حرص حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله على تحول المملكة إلى مجتمع المعرفة والاقتصاد القائم عليها، فقد أصبح ذلك أمرا حتميا، لضمان استدامة عملية التنمية، وبناء اقتصاد عصري منافس، وتعميق الاستثمار في رأس المال البشري. هذا التحول أصبح ضرورة (وليس ترفا)، تمليه الظروف والتطورات الدولية، التي تغير فيها مفهوم المنافسة العالمية، لتصبح المعرفة أساس المزايا التنافسية بين الدول، مع تناقص أهمية المزايا النسبية أو التفاضلية الأخرى مثل: توفر الأرض، ورأس المال، والموارد الطبيعية. وأكد أن خطتي التنموية الثامنة والتاسعة ركزت على أعمال تنموية شكلت القاعدة الأساسية للانطلاق نحو الاقتصاد القائم على المعرفة. وأبان سموه: أن المؤشرات في تقارير التنمية العالمية تؤيد هذا التطور في المملكة، إذ يشير «مؤشر اقتصاد المعرفة» الصادر عن البنك الدولي الذي يتم بموجبه تقويم مؤسسات السوق والتعليم والابتكار وتقنية المعلومات والاتصالات إلى تحسن الوضع العام للمملكة، حيث صعدت من المرتبة 76 عام 2000 إلى المرتبة 50 عام 2012م بين 146 دولة، إلا أن المأمول هو تقدمها لمصاف أعلى. وأشار إلى تتويج هذه الجهود بصدور الأمر السامي الكريم رقم (546) وتاريخ 2/1/1433ه: «للخروج باستراتيجية وطنية شاملة وعملية، للتحول إلى مجتمع المعرفة مدعومة ببرامج تنفيذية وزمنية محددة التكلفة»، مما يفتح آفاقا مستقبلية واعدة في هذا المجال.وأعدت هذه الاستراتيجية وعرضت على اللجنة الدائمة للمجلس الاقتصادي الأعلى الذي أقر مبادئها الأساسية، كما شمل توجيه المقام السامي إعداد خطة تنفيذية، وميزانية تقديرية لتحقيقها، وتحديد الجهات المنفذة، وآليات إدارتها وتنفيذها ومتابعة أدائها، وقد تم إعداد هذه الوثائق جميعها وسترفع للمجلس الاقتصادي الأعلى خلال الأيام المقبلة لاعتمادها، والبدء في تنفيذ الاستراتيجية ،مبينا أن الخطة الخمسية العاشرة تأخذ على عاتقها البدء بتنفيذ هذه الاستراتيجية باعتمادها أهدافا وسياسات وبرامج لذلك. وزاد سموه أن وزارة الاقتصاد والتخطيط حرصا منها على ضمان التنفيذ بشكلٍ فعال سوف تستعين بخبرة بعض الدول التي نجحت في تحقيق التحول إلى الاقتصاد القائم على المعرفة (كاليابان وكوريا) للمساعدة في تنفيذ بعض برامج الاستراتيجية. وأشار إلى أن تنفيذ الاستراتيجية بالمنهجية التي وجه بها المقام السامي تعد بآفاقٍ جديدة لمجتمعنا واقتصادنا، إذ تصبو الاستراتيجية إلى تحقيق الأهداف التالية: محرك نمو قوي وراسخ: يحقق نموا متنوعا ومتوازنا (عبر القطاعات)، وأن يكون متسقا مع آليات السوق الحديثة، ودور القطاع الخاص وبالابتكار، وقدرات بشرية متطورة: تضمن التقدم المتوازن بين الكمية والنوعية والمساواة، ونظام ديناميكي ومتنوع للتعليم ولتدريب الموارد البشرية مدى الحياة، وأن يكون متفاعلا مع سوق العمل. كما تهدف إلى درجة عالية من الرفاهية والترابط الاجتماعي: تنتج منظومة رفاه وشبكة أمان اجتماعي تتصف بالعدالة (في الدخل والثروة) والتوازن (إداري، وسوق ومجتمعات) ومجتمع يسوده الأمن والأمان والرفاه، وريادة إقليمية وعالمية: تحقق تكاملا شاملا مع العولمة (التجارة، والاستثمار الأجنبي المباشر، والتعاون الدولي التنموي، والمتطلبات الاجتماعية والثقافية). وثروة وطنية متوازنة(اقتصاديا، سياسيا، فكريا، ثقافيا). ولخص سمو وزير الخارجية أهم سمات هذه الاستراتيجية في: أولا التركيز على معالجة القضايا الأساسية من منظور كلي، مع التنسيق بين القطاعات أو المكونات المختلفة للاقتصاد القائم على المعرفة بصورة متكاملة. ثانيا الاهتمام بجميع جوانب التحول إلى مجتمع المعرفة سواء كانت القطاعية منها أو الكلية. ثالثا تولي هذه الاستراتيجية اهتماما كبيرا بالوضع المؤسسي وبناء القدرات البشرية. كلمة بان كي مون من جانبه عبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في كلمته التي قدمها نيابة عنه الممثل الإقليمي لمنظمة الأممالمتحدة للطفولة لدول الخليج اليونيسيف، والقائم بأعمال المنسق المقيم للأمم المتحدة في الرياض، الدكتور إبراهيم الزيق عن تقديره للجهود المبذولة من قبل حكومة المملكة في مجالات تقنية المعلومات والاتصالات، وتسهيل السبل للحصول على الخدمات عبرها لكافة المواطنين والمقيمين في المملكة. ورأى الأمين العام للأمم المتحدة أن المملكة يمكن أن تكون مركزا قيما للمعرفة لتعزيز الحوار والمبادرات بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، داعيا في الوقت ذاته إلى الحرص على الاستخدام بكفاءة أعلى للمعلومات والمعرفة والبيانات ووسائل الاتصال بهدف تحقيق المصلحة العامة. كلمة الأمير خالد الفيصل من جانبه استعرض صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل وزير التربية والتعليم المتحدث الرئيس في المؤتمر في الجلسة الافتتاحية الصعوبات التي واجهت المملكة في بداية تأسيسها من أجل نشر العلم والثقافة والعمل الدؤوب الذي بدأه الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله من أجل نقل المملكة من مجتمع الأمية إلى مجتمع يحرص على العلم والثقافة في مختلف مجالاته. ورأى سموه أن التحديات التي واجهت قادة المملكة ومسؤوليها منذ تأسيس المملكة وحتى اليوم تركزت في العمل من أجل تنمية الإنسان عبر الحرص على تعليمه وتثقيفه وتسهيل حصوله على الخدمات التنموية لنقله من مجتمع بسيط إلى مجتمع معرفي يسهم مع غيره من المجتمعات في رقي الإنسانية وتطورها. ودلل سموه على ذلك بتجربته الشخصية في تنمية منطقة عسير قبل أكثر من 30 عاما، بهدف نشر الخدمات التنموية من مياه وطرق وكهرباء وافتتاح مدارس وما بذلته الدولة من جهود كبيرة بهدف تذليل كافة العقبات وخاصة التغلب على تضاريس المنطقة التي كانت بكرا في ذلك الوقت وتحويلها إلى منطقة نامية تسهم مع غيرها من المناطق في تنمية الوطن وازدهاره. وقال سموه «إن العوائق لم تكن أبدا هي المشكلة طالما كان الهدف الأسمى هو تنمية أبناء المنطقة علميا وثقافيا ليشارك مع أبناء وطنه الآخرين في التنمية الشاملة والمتوازنة وهو ما تحقق رغم كافة الصعوبات الطبيعية والمادية والبشرية». وشدد على أن تجربته في منطقة عسير تحاكي تماما تجارب المناطق الأخرى التي كانت تفتقر إلى مقومات التنمية في بداية تأسيس هذه البلاد، مشيرا إلى أن الصعوبات تتغير باستمرار تطور المجتمع الذي يحتاج لكافة أنواع الخدمات بهدف تنمية المواطن وإشراكه في العملية التنموية ليكون عنصرا منتجا وفاعلا في اقتصاده الوطني. وعرج سموه كذلك إلى التطور الذي شهدته منطقة عسير الذي جعلها لتكون منطقة جذب سياحية، ويقوم اقتصادها على الاعتماد على المنتج السياحي يعمل على استفادة أبناء المنطقة من مقومات منطقتهم ويستفيدون بشكل مباشر عبر مشاريع سياحية تعود عليهم بالفائدة، وتسهم في زيادة دخولهم وتوفير الفرص الوظيفية لهم، إضافة إلى توفير التدريب المناسب لرفع كفاءتهم. كما تطرق سموه إلى تجربته في منطقة مكةالمكرمة، وكيف أصبحت المنطقة تقوم على اقتصاد خاص بها يتمثل في الاستفادة من توافد الملايين إليها كل عام، وما يتطلبه ذلك من توفير مشاريع اقتصادية وتنموية تسهم في رفع مستوى مجتمع المنطقة، ورفع مستوى المحافظات القريبة منها. وأكد سموه على أن المملكة تمتلك إمكانات ضخمة مادية وبشرية وطبيعية بإمكانها أن تسهم جميعا في جعل المملكة من بين أوائل الدول النامية . وأوضح سموه أن المملكة تشهد في عهد خادم الحرمين الشريفين أبرز مراحل الاستثمار في مجال المعرفة القائم على الاقتصاد عبر مشاريع عديدة في مختلف المجالات تسهم في تنويع مصادر الدخل وتنمية موارد الدولة، وتركز على تنمية المواطن السعودي علميا وثقافيا، وتوفير مصادر التعليم المعرفية له. ودلل سموه على ذلك بافتتاح عشرات الجامعات، وآلاف المدارس، وبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي الذي أوفد مئات الآلاف من الشباب والشابات السعوديين للتعلم في أرقى الجامعات العالمية ليعودوا بعدها للمساهمة في تحويل المملكة إلى اقتصاد قائم على المعرفة. ونبه سموه على أن أهمية الاقتصاد القائم على المعرفة تنبع من كون المنتج المعرفي يسهم في وجود منتجات أخرى معرفية ومتنوعة تسهم في تنمية الاقتصاد القائم عليها وهو ما يتطلب من المملكة ومواطنيها العمل في هذا المجال. واستعرض جهود وزارة التربية والتعليم من أجل تنفيذ مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم المزمع تنفيذه على مدى 5 سنوات مقبلة، مشددا على أن لدى الوزارة برنامج تنفيذي للمشروع سيتم الكشف عن تفاصيله في الفترة المقبلة. وكرم الأمير خالد الفيصل وزير التربية والتعليم، ووزير الاقتصاد والتخطيط الدكتور محمد بن سليمان الجاسر الشركات الراعية للمؤتمر. ثم قدمت دروع تذكارية لسموه ووزير الاقتصاد والتخطيط. وفي نهاية الحفل تجول الدكتور الجاسر في المعرض المصاحب الذي تشارك فيه عدد من الشركات الراعية للمؤتمر. حضر الحفل أصحاب السمو الملكي الأمراء والوزراء وممثلو الشركات الراعية وعدد من الدبلوماسيين والمشاركين في جلسات المؤتمر.