أوضح وزير الشؤون الخارجية السنغالي السابق والمبعوث الحالي الخاص لمنظمة التعاون الإسلامي إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، الشيخ التجاني غاديو، في حوار ل«عكاظ» بأن الصراع الدائر هناك هو صراع سياسي بحت، وتم استغلال الدين وإقحامه في هذا الصراع لتأجيجه. وأشاد غاديو برئيسة جمهورية أفريقيا الوسطى كاثرين سامبا بانزا والمجهودات التي قدمتها لحماية الأقلية المسلمة، وأضاف بأنه«لن يكون هناك مستقبل لجمهورية أفريقيا الوسطى إذا لم تتفق النخب السياسية، وقيادات المجتمع المدني، والزعماء الدينيون، على الجلوس والنقاش معا». وإلى نص الحوار: ● ما هو الوضع الراهن في جمهورية أفريقيا الوسطى؟ وهل هناك بالفعل عمليات إبادة جماعية، تطهير عرقي ضد المسلمين؟ الوضع الراهن خطير جدا ومقلق، لكن هذه الظروف لن تجعلنا نوقف الجهود وصولا إلى جذور كل قضية ووضع حد لها لإيقاف الأعمال العدائية والعنف والقتل، خاصة أن معظم عمليات القتل تتم ضد المجتمع المسلم هناك، ولا أود استخدام لفظ الإبادة الجماعية أو التطهير العرقي كمفهوم، أريد أن أكون حذرا في هذه التسميات. ما يحدث الآن في جمهورية أفريقيا الوسطى هو ردة فعل انتقامية نتيجة لادعاءات حول أعمال عنف وقتل استهدفت المسيحيين قامت بها جماعات مسلحة تابعة لائتلاف متمردي حركة «سيليكا» ذات الأغلبية المسلمة والتي سيطرت على الحكم في البلاد في مرحلته الانتقالية لقرابة عشرة أشهر بعد إطاحتها بالرئيس السابق فرانسوا بوزيزيه وتنصيب زعيمها جوتوديا رئيسا انتقاليا للبلاد في أغسطس الماضي، وبناء على هذه الادعاءات قامت جماعات مسلحة بتنظيم عمليات ثأر من خلال لجان للدفاع عن النفس ومجموعات أخرى تندرج تحت مليشيات مكافحة بالاكا. وأضاف: الحقيقة هي أن الدين استغل في هذا الصراع، وبالنسبة لي فإن أساس هذا الصراع سياسي بحت، ونشأ بسبب ظروف تغيير السلطة والمرحلة الانتقالية للسلطة وانتخاب المجلس الوطني الانتقالي للسيدة كاثرين سامبا بانزا رئيسة للبلاد، وهذه المجتمعات (مسلمة ومسيحية) تعيش سويا منذ 4 قرون، وأول مسلم قدم إلى جمهورية أفريقيا الوسطى كان في القرن السادس عشر أي مضى على دخول الإسلام فيها قرابة 500 عام، وهذه المجتمعات تعايشت فيما بينها بتناغم وسلام سواء في التعليم أو بيئة العمل والمعيشة تحت نسيج وطني واحد، وما يحدث الآن هو نتيجة لسلوك بعض النخب السياسية. وهذا الأمر لا يخص جمهورية أفريقيا الوسطى وحدها بل العديد من الدول الأفريقية الأخرى، وأنا أعتقد بأن مصير جمهورية أفريقيا الوسطى هو أن تبقى متحدة، والتركيز على معالجة الأزمة الحالية، ومن هذا المنطلق يأتي دور منظمة التعاون الإسلامي كوسيط. لا وقوف بجانب المسلمين ● ما هو الدور الذي تؤديه المنظمة لحل النزاع في أفريقيا الوسطى؟ باعتبار أن منظمة التعاون الإسلامي هي ممثلة للأمة الإسلامية، لذلك عندما يكون هناك صراع تستخدم فيه الأديان ضد بعضها البعض كما يحصل الآن، فإن الناس هناك قد يعتقدون أننا قادمون لدعم المسلمين ضد المسيحيين، والوقوف بجانب طرف على حساب الآخر. وإذا فعلت المنظمة ذلك فإنه سيؤدي إلى تفاقم الصراع، ولن يكون بوسعنا حينها مساعدة الأقلية المسلمة في أفريقيا الوسطى والتي لا تتجاوز 10 % من السكان. ولذلك فإن أفضل وسيلة نتبعها هي مساعدة جمهورية أفريقيا الوسطى كأمة متكاملة. ولنا في المنظمة ثلاثة أهداف رئيسية، هي المساهمة في وضع حد للأعمال العدائية، ومساندة الحوار السياسي بين الأحزاب والأطراف الرئيسية بشكل متوافق مع المطالب الدولية، ومنها إجراء انتخابات جديدة بعد الوصول إلى تسوية مع جميع الأطراف، وثالثا تقديم المساعدات الإنسانية للذين نزحوا داخليا واللاجئين الذين خرجوا من البلاد إلى الكاميرونوتشاد وغيرها. اتهامات لرئيسة الجمهورية ● لقد مضى قرابة الشهر منذ تعيينكم موفدا خاصا للمنظمة بجمهورية أفريقيا الوسطى .. ما هي النتائج التي توصلتم إليها؟ منذ تعييني ذهبت إلى برازافيل عاصمة جمهورية الكونغو والتقيت الرئيس دينيس ساسو نجويسو وهو كبير الوسطاء لحل النزاع في أفريقيا الوسطى، وعندما تحدثنا قال إنه سعيد جدا بدخول منظمة التعاون الإسلامي في الوساطة، وقد دعاني إلى فريق الاتصال الدولي بجمهورية أفريقيا الوسطى من الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وفرنسا والولايات المتحدة، والتقيت بهم في جلسة واحدة، أوضحنا فيها رسالة السلام التي تقدمها منظمة المؤتمر الإسلامي، وفي آخر تواصل مع هذه الدول المعنية بالاتصال بجمهورية أفريقيا الوسطى، كانت منظمة التعاون الإسلامي هي المنظمة الوحيدة التي أدرجت كوسيط لإنهاء الصراع. ثم قمت بزيارة رئيسة جمهورية أفريقيا الوسطى كاثرين سامبا بانزا، وهي شخصية مميزة ومخلصة لوطنها بالرغم من الاتهامات البشعة التي وجهت إليها بحماية المسلمين والدفاع عنهم ضد المسيحيين، ومع أنها قامت بما يمليه عليها واجبها الوطني، والقائد الجيد عليه أن يحمي الأقليات في بلده وخصوصا إذا هوجمت، وحماية جميع أفراد شعبها. إنها تقوم بعمل جيد، ولكن لم يساعدها بالحد الكافي، فهي ليس لديها موارد مالية كافية، حتى أن الرواتب لم تدفع منذ ستة أشهر، ولا تملك المال لتنظيم قوات الشرطة والأمن العام، ولا يوجد أحد للقيام بهذه المهام، فقد انهارت الدولة، عدا أن لديها ضباطا يدعمون حركات التمرد والمليشيات، لذلك فإن تنفيذ مرحلة انتقالية في البلاد غير مجد الآن. كما ذكرت أن الأممالمتحدة تنوي نشر 12 ألف جندي في أفريقيا الوسطى في سبتمبر القادم، وهي مدة بعيدة، وقالت: أخشى إذا انتظرنا حتى سبتمبر سوف يكون الحل متأخرا جدا، ففي شهر مايو يبدأ موسم المطر وبالتالي فإن مخيمات اللاجئين قد يداهمها وباء الكوليرا والعديد من الأمراض الوبائية. لذلك حان الوقت لتسريع وتيرة التسوية السياسية في المقام الأول، والحفاظ على أرواح البشر. ● هل هناك أي تقدم في الحوار مع أطراف هذا الصراع؟ لا يمكن أن نكشف في هذه المرحلة الحساسة عن الأطراف والأشخاص الذين نتحدث معهم وماذا قالوا، لأن هذه ليست الطريقة السليمة خلال التفاوض حول تسوية سياسية، لكننا نقوم بعمل صبور وبالغ الجدية في التحدث مع كافة الجهات الرئيسية الفاعلة، ونأمل أن نصل لما نصبوا إليه بأسرع وقت. دور تشاد والمرحلة القادمة ● ما الذي تنوي القيام به في رحلتك إلى أفريقيا الوسطى؟ سأتوجه إلى نجامينا عاصمة تشاد للقاء الرئيس إدريس ديبي، وأعتقد أنها محطة هامة لأن تشاد تلعب دورا إقليميا إيجابيا ورئيسيا في المنطقة على العكس من بعض الادعاءات ضدها، والرئيس ديبي يسعى بجدية وملتزم في إيجاد حلول لعدد من القضايا والمشكلات في الدول الأفريقية، ولديه معرفة كبيرة بالقضايا الأمنية في المنطقة ويملك جيش قوي ومقاتليه ملمين بتضاريس مناطق متعددة في أفريقيا مثل منطقة الصحارى والغابات والمنطقة الساحلية، وكانوا مدركين للغاية بدورهم السياسي أثناء تحرير مالي من العصابات المسلحة والجماعات المتطرفة. ومن بعد تشاد، سوف أعود إلى بانغي لإكمال المهمة. اتهامات باطلة ● بالنسبة إلى تشاد، اتهمت الأممالمتحدة جيشها بإطلاق النار على مدنيين بلا سبب، فما هو ردكم؟ لا أعتقد ذلك، ولكن أعتقد أن دولة تشاد قدمت لجمهورية أفريقيا الوسطى الكثير من التضحيات من أجل السلام، لقد كنت حاضرا مع فريق الاتصال الدولي المعني بجمهورية أفريقيا الوسطى في الجلسة التي جمعتني بهم، وقد اعتذر حينها رئيس وزراء أفريقيا الوسطى لشعب تشاد والرئيس ديبي، وقال أنهم قدموا الكثير من التضحيات من أجل بلده، وهذا ما أعتقد أنه هو الصحيح. حقيقة المؤامرات ● لماذا الوضع الأمني يتجه نحو الأسوأ، وهل صحيح أن القوات الفرنسية ضالعة في مؤامرة ضد المسلمين هناك؟ قوات حفظ السلام الفرنسية متواجدة منذ شهر ديسمبر من العام الماضي، ويجب أن نوضح أن الوضع معقد للغاية، وأن تكهنات واتهامات البعض من عامة الناس للقوات الفرنسية تعبر عن سطحية وضحالة آرائهم وعدم إدراك واقعي لحقيقة الوضع هناك، وأعتقد أن فرنسا تريد مساعدة جمهورية أفريقيا الوسطى، لقد تعقدت الأمور وخرجت عن السيطرة بعد استقالة الرئيس السابق جوتوديا بعد ضغوط ومطالب شعبية. ● طالبت مسبقا بتشكيل قوة عسكرية أفريقية للتدخل وفض النزاع في أفريقيا الوسطى على الرغم من دعوتك للتوسع في الحوار، ألا ترى بأن في هذا تناقضا؟ لا، لأن مزيد من القوى الأمنية والعسكرية سوف يساعد على بسط الأمن، ولا تنسى أنه ليس لديهم جيش متكامل بعد أن تم تفكيكه بسبب الأزمة، كما أنه لم يكن هناك نشاط فعال لشرطة جمهورية أفريقيا الوسطى وقوات الحراسة والجيش التابع لها خلال فترة تولي أعضاء السيليكا السلطة في مارس 2013 التي اعتمدت على الفصائل المتمردة، وقام المجتمع الدولي لاحقا بنزع السلاح منها بعد خروج الرئيس جوتوديا، وبالتالي القوات العامة غير مسلحة مقابل تسلح المليشيات، وهو ما يستدعي الدعم. المشكلة الحقيقية ● ما هي رؤيتكم حول مستقبل الأوضاع هناك؟ أعتقد أن المشكلة الحقيقية خلف المسألة الأمنية هي عدم الوصول لتسوية سياسية للأزمة. التسوية السياسية هي المستقبل، ولن يكون هناك مستقبل لجمهورية أفريقيا الوسطى إذا لم تتفق النخب السياسية، وقيادات المجتمع المدني، والزعماء الدينيون، على الجلوس والنقاش والمضي قدما نحو الحقيقة والعدالة والمصالحة والتسوية. ثم بعد ذلك تبدأ المرحلة الانتقالية وإجراء انتخابات رئاسية، وعلى الرغم من أن الكثيرين مهتمين بمسألة الانتخابات لكنها ليست القضية الأهم، فالمسألة والقضية الأولى من حيث الأولويات، هي من وجهة نظري تكمن في كيفية إعادة السلام والأمان للمواطنين. بمجرد أن يفعلوا ذلك، ستعمل منظمة التعاون الإسلامي على تقديم الدعم اللازم لإعادة الإعمار الاقتصادي، ونتوقع الكثير من الدول الأعضاء لإظهار تضامنها مع شعب جمهورية أفريقيا الوسطى، وأيضا المستقبل هو«أن نفعل كل ما بوسعنا لتجنب أي انقسامات، وتجنب تقسيم البلاد إلى دولتين للفصل بين المسلمين والمسيحيين، وأنا لا أعتقد أن هذا هو الحل، و آمل أن لا يعتقد أحدا أن هذا هو الحل».