يجهل بعض الإخوة الكتاب الأنظمة المدنية التنفيذية والإجرائية المطبقة في دول العالم التي استفادت من الإدارة الحديثة لتسهيل وضبط المعاملات والحقوق وتنفيذ الأحكام والقرارات، فيقودهم جهلهم بتلك الأنظمة إلى التخوف من فكرة تطبيقها في بلادنا إلى مهاجمة الفكرة والتحذير من مغبة الأخذ بها وتوقع نتائج سيئة لها.. إلى آخره! أقول ما تقدم بعد أن وجدت بعض الإخوة الكتاب يعترضون على قيام وزارة العدل بدراسة فكرة إسناد إبلاغ الخصوم وجلبهم إلى المحاكم في حالة تقاعسهم عن التجاوب مع طلبات القضاة إلى شركات أو مؤسسات متخصصة معتبرين مثل هذه الخطوة نوعا من التنازل عن أساس العمل الرسمي لوزارة العدل وما يتبعها إداريا من محاكم جزئية أو عامة أو استثنائية مع أن واقع الأمر غير ما يهرف به من لا يعرف أن مثل هذه الإجراءات موجودة في العديد من الدول وناجحة تماما في الإبلاغ والجلب إن لزم الأمر، وفي مساعدة المحاكم على التفرغ للنظر في الأوراق وسماع المرافعات والمدافعات ثم الحكم فيما شجر بين المتقاضين من خلافات حقوقية أو اجتماعية أو عقارية، بل إنه توجد لديهم مؤسسات يقصدها من لديه حكم بإخلاء عقار من قبل مستأجر مماطل لا يريد تنفيذ حكم الإخلاء، فيقوم مندوبو تلك المؤسسات بزيارة المماطل وإبلاغه بالحكم وإعطائه مهلة قد لا تزيد على ثلاثة أيام لينفذ حكم الإخلاء طوعا أو ينفذه مندوبوها ضده كرها، وسبق لأحد الأشخاص محاولة الاستيلاء على مبنى تابع لرابطة العالم الإسلامي في دولة أوروبية فكلفت الرابطة محاميا للدفاع عن حقها في ملكية المكتب الذي كان ذلك المحتال يسكن فيه، فلما صدر الحكم لصالحها قدمته لإحدى المؤسسات التي أبلغته بوجوب الإخلاء في ظرف يومين وإلا أخلى العقار عن طريق عمالها وحمل «عفشه» على حسابه إلى حيث يريد أو إلى أي مستودع تجاري وعلى حسابه أيضا فأذعن المليح وخرج من المبنى قبل انقضاء أربع وعشرين ساعة من الموعد المحدد لتنفيذ الحكم ضده بالقوة، ولذلك فإن المماطلين يعلمون أنهم لن يستفيدوا من مماطلاتهم بل يدفعون ثمنها، وأن تكاليف وأتعاب المحامين يتحملها من خسر القضية فيدفع الأتعاب لمحاميه ولمحامي خصمه ويبوء بالخسران المبين، ولذلك لا يتقدم بشكوى إلا من لديه قناعة أنه يملك وثائق وأدلة تؤكد أن له حقا لدى الطرف الآخر، كما أن المدعى عليهم يحاولون تسوية الخلافات خارج المحاكم وبطرائق ودية إذا ما أيقنوا أن أوراقهم «ضعيفة» وأن كسبهم للقضية نسبته متدنية حتى لا يدفعوا تكاليف خسارتهم لها فلا عنب الشام ولا بلح اليمن! أما المبايعات العقارية لديهم فإنها تتم عبر مكاتب توثيق تقوم بمهمة كتابة العدل ولكن بدرجة عالية من الدقة وتحمل المسؤولية فلا توثق بيعا أو شراء إلا بعد فحص دقيق لأوراق ومستندات العقار، ويسمى من يقوم بهذه الإجراءات ويتحمل مسؤوليتها «الموثق» وهو الذي يتولى جميع خطوات تسجيل عملية البيع لدى جهات الاختصاص وتسليم صك الملكية جاهزا مكتملا للمالك الجديد ويكون مسؤولا عن أي خلل أو غش يرافق العملية ويدفع ثمن تلك المسؤولية ومنها فقدانه لرخصة العمل كموثق وهي مهنة يكسب منها عشرات الآلاف شهريا لاسيما إذا ما نشطت حركة بيع وشراء العقار، وخلاصة القول إن فكرة وزارة العدل المتضمنة الاستعانة بمؤسسات للإبلاغ وجلب الخصوم المماطلين ليست فكرة ساذجة أو خيالية أو غير موضوعية بل هي خلاصة تجارب أمم سبقتنا في مجال الإدارة الحديثة ومن المصلحة أن نستفيد من تلك التجارب!