في الحياة 18491، أكد الدكتور الشيخ علي الحكمي على عدم جواز الاشتراك في تجربة برنامج رحلة المريخ التي انضم إليها نحو مائة ألف مشترك من كافة أنحاء العالم، من بينهم ستة أشخاص سعوديين، مشيرا إلى أن مثل هذه التجارب يغلب الظن على المغامرين فيها بالهلاك، وذلك في برنامج رحلة إلى كوكب المريخ التي تنظمها الشركات المتخصصة في الرحلات الفضائية، بالتعاون مع منظمة ناسا الأمريكية. وهي رحلة تجريبية فريدة تكتنفها الجرأة والشجاعة والكم الرهيب من المخاطر. وفي نفس الوقت تضمن هذه الرحلة ما لا يخطر على بال أحد من الناس من الاستكشافات ومن سبر أغوار المجاهيل من مخلوقات الله سبحانه وتعالى وملكوته، وهذا مطلب شرعي تكرر ذكره في كتاب الله العزيز أكثر من سبع عشرة مرة، مثال ذلك قوله تعالى (أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء....)، وقوله أيضا (أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده)، وقوله تعالى (إنه يبدأ الخلق ثم يعيده)، وقوله تعالى (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق). وملكوت الله سبحانه وتعالى واسع فسيح مليء بشتى مخلوقاته التي لم يعرف الإنسان كثيرا عنها على وجه الأرض. وقد قال سبحانه وتعالى في هذا الموضوع (ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذ يشاء قدير)، وقد تيسر للبشرية خاصة في السنوات الأخيرة من خلال تقدم البحوث والاستكشافات الجيولوجية لطبقات القشرة الأرضية في بنيتها البحرية والبرية ما لا يعد ولا يحصى من الوثائق التاريخية، والتي تتضمن شروحا مستفيضة لمراحل خلق وظهور الكائنات الحية على وجه الأرض، من الكائنات أحادية الخلايا مثل بكتريا الباراميشيا إلى الكائنات غاية في التعقيد البيولوجي والمعنوي مثل الفصائل البشرية، وكل هذا ناجم عن مجهودات القائمين على برامج البحوث العلمية والاستكشافية. وفي هذه المجهودات تحقيق لمعاني ما جاء في الآيات المذكورة من الحث على السعي لمعرفة مخلوقات الله في ملكوته، وهذا في حد ذاته ضرب من أنواع العبادة لكونها تشمل القيام بما أمر الله سبحانه وتعالى به عباده، مع أن الكثير من هذه البحوث تكتنفها المخاطر والمهالك، وكذلك ما يحدث أيضا للوصول إلى الفضاء الخارجي للكرة الأرضية ونزول الإنسان على سطح القمر، فإن هذه الرحلات مع ما فيها من مخاطر ومهالك قد فتحت أبوابا واسعة على كثير من المجاهيل التي كانت البشرية لا تعرف عنها شيئا. إن نزول الإنسان على سطح القمر في عام 1972م مثلا غير وصحح الكثير من مفاهيم الناس حول معاني التفسير لكثير من آيات الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، مثال قوله تعالى في خلق السموات ووصفها بأنها طباق والمفهوم السائد الذي كان قبل رحلة الإنسان إلى سطح القمر تصور وجود سماء بمعنى سقف مثل سقف المنازل وسقف المنشآت البشرية على وجه الأرض والمباني، ولا سيما فيما جاء ذكرها بوصف السقف كما قال تعالى: «وجعلها سقفا محفوظا وهم عن آياتنا غافلون»، مع أنه ليس هناك ثمة سقف بهذا المعنى في السموات، وإنما المراد بالسموات كما قال القاسمي في محاسن التأويل ما علا وارتفع، وهي الأجرام السماوية مثل الكواكب التابعة للمجموعة الشمسية والمجرات الفلكية المبثوثة في مجاهل الكون والملكوت. ذلك لأن نزول الإنسان على سطح القمر لم يصادف اختراق أجسام بمعنى أسقف، مع أن الله سبحانه وتعالى قد ذكر في كتابه العزيز أن القمر يقع بين السماوات والأرض كما قال تعالى (وجعل القمر فيهن أي في السماوات نورا)، فلو كان هناك ثمة سماوات بمعنى أسقف كما كان المعتقد السائد قبل نزول الإنسان على سطح القمر لكان هذا المفهوم يعترض رحلة الإنسان إلى القمر، إذ يتطلب ذلك اختراق هذه السماوات، وهذا لم تتعرض له الرحلات الفضائية كلها، سواء كانت إلى القمر أو إلى الفضاء الخارجي مثل الرحلات إلى كوكب المريخ أو زحل والمشتري، فاختراق السماوات إنما هو من الأمور العظيمة التي لم يجعل الله لأحد من البشر نصيبا منها إلا ما كان في حق الرسول عليه الصلاة والسلام في الإسراء والمعراج. وقد أرسلت منظمة ناسا قبل نحو 40 عاما مركبة فضائية إلى الفضاء الخارجي عن المجموعة الشمسية، وهذه ظلت تبعث إشارات وأخبارا عن خط سيرها وما تواجهه من معلومات وأسرار كونية. ولم تنقطع هذه الإشارات إلا من 4 سنوات. والشاهد أن إشراك أفراد من المملكة في مثل هذه الرحلات أمر مطلوب ومرغوب فيه، بل تحث عليه النصوص الشرعية. أما القول بأن هذه مخاطرة وإلقاء في التهلكة والاستشهاد بقوله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، فهذا الاستشهاد في غير محله. فالآية إنما نزلت في الذين تركوا الجهاد وابتعدوا عن المخاطرة في سبيل الله وركنوا إلى الأهل والمال والولد، فإن ترك المخاطرة في تحقيق أوامر الله فيه مهلكة حقيقية، كما قال ذلك أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه بأن التهلكة الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد، فيما ذكره الرازي في تفسيره 5/293 والزمخشري في الكشاف 1/343.