قبل أيام، مرت علي في مكتبي زميلة لي، بدت شاحبة تعلو وجهها علامات أسى وحزن، ففزعت من أجلها، خشيت أن تكون هي أو أحد أقاربها حدث لهم سوء، لكنها فاجأتني أنهم جميعا بخير، وأن ما بها من الحزن هو لأمر آخر تستحي أن تفصح عنه خشية أن يستخف الناس بها حين يرون السبب تافها لا يمكن لعاقل أن يصدق أنه يجلب الحزن!! كلام زميلتي حرك فضولي، فألححت عليها بأن تسر لي بما يؤلمها حتى وإن كان سببه تافها، ووعدتها أن أحدا لن يدري بشيء من ذلك. قالت: هل تذكرين ذلك الكوب الجميل الذي اعتدت أن أتناول القهوة به؟ سقط مني هذا الصباح على الأرض وتناثر إلى شظايا!! حجبت ابتسامتي، وقمعت تعليقي أن الأمر تافه وأنها تضخمه أضعافا مضاعفة، رددت عليها جادة فقلت: لك الحق في أن تأسفي لفقد كوبك الأنيق، فهو حسب ما أعرف جاءك هدية من شخص حبيب إلى قلبك ذهب وترك لك الكوب أثرا يجلب صورته إلى ذهنك تتمتعين بها كل صباح، وتحطم الكوب يعني عندك أنك فقدت أثر ذلك الحبيب!! فأن تشعري بالحزن لتحطم كوبك الذي اعتدت تناول قهوتك به كل صباح زمنا طويلا شعور طبيعي، فمن المؤلم للإنسان أن يفقد فجأة رفيقا اعتاد صحبته لأعوام، حتى وإن كان الرفيق مجرد كوب قهوة. مضيت في مواصلة حديثي المتعاطف مع مشاعر الحزن التي تحملها زميلتي في صدرها، فبدأت تشعر أن هناك من يحس بأحاسيسها المتألمة ويعترف أن معها حقا إن هي تألمت وحزنت لكسر كوبها الذي تعلقت به لسنين، فارتاحت وبدأت أساريرها تنفرج وأخذت سحابة الألم تنزاح عن ملامحها شيئا فشيئا، فقد وجدت في التعاطف مع مشاعرها خير عزاء. التعاطف مع المشاعر، سواء كانت حزنا أو غضبا أو إحباطا أو غيرة أو غيرها، هو أحسن دواء لمعالجتها والتخلص منها، أما أسوأ طريقة للمعالجة، فهي ما يشيع بين الناس من مبادرة إلى الاستخفاف بالمشاعر والتهوين من مسبباتها، فما يفعله الناس عادة تعمد إنكار أهمية الانفعالات التي تشتعل داخل صدر صاحبها؛ كأن يقولوا له: (بس!! تراه ما يسوى تزعل/ي نفسك عشانه) (احمد/ ي ربك ما هو شيء أكبر)، أو مثلما يقال للأطفال أحيانا متى تعرضوا لضربة أو سقطة (بسيطة، ما تعور) أو (فلان شجاع، كبير، بطل، ما يصيح)، فهذه المحاولات في تخفيف الأثر السيئ على المنفعل لا تريحه مطلقا، فهي توصل له رسائل منكرة لمشاعره المتألمة فيزداد امتعاضا وتألما. امتصاص المشاعر السلبية وإذابتها يتحقق عند الاعتراف بها وإعطائها ما تستحق من التقدير والتعاطف معها، أما إنكارها ومحاولة تمييعها بالاستخفاف بها، فإنه يزيدها رسوخا وثباتا في قاع النفس.