من أفضل إنجازات القرن الحادي والعشرين التي تحسب للشركات الكبرى أن يتم تحديث نظم التشغيل أو البرمجيات أو الكتب الرقمية وترقيتها آليا من خلال الإنترنت. فما أجمل أن يتم إضافة خدمات ومواصفات جديدة بصورة آلية دون أن يشغل المرء نفسه بالسعي وراء شراء نسخة محدثة على قرص مدمج كما كان الحال منذ زمن قصير. الجانب السيئ لهذا الإنجاز هو أن تلك الشركات تستطيع حذف خدمات ومواصفات من منتجاتها خلال عملية التحديث دون إذن من مستخدمي تلك المنتجات، أو حتى دون إعطائهم الحق في استخدام البرامج الأقدم ذات المواصفات الأفضل. قد يبدو ذلك أمر لا يتوقع حدوثه، باعتبار أن من أسس صناعة البرمجيات والمنتجات الرقمية أن يتم تحسين الأداء وعلاج الأخطاء البرمجية وإضافة الجديد من المواصفات بصورة مستمرة.. إلا أنه قد حدث بالفعل، فقد قامت أمازون بحذف كتابين رقميين من موقعها دون أخذ إذن عملائها ممن قامو بشراء نسخ رقمية منهما أو حتى إخطارهم بذلك. واللافت للنظر أن ذلك الأمر قد تكرر من عدد من الشركات الكبرى الأخرى، ففي عام 2013 قامت جوجل بإعادة تصميم نظامها للخرائط Google Maps بصورة كاملة، وبالرغم من أن النظام الجديد ذو واجهة استخدام أجمل، ويعمل على كل المنصات بصورة واحدة، إلا أنه من وجهة نظر مستخدميه يعتبر خطوة إلى الوراء، لأنه أبطأ من سابقه، كما أنه لا يحتوي على العديد من المواصفات التي كان يدعمها سابقا. كما قامت شركة آبل في نوفمبر 2013 بتحديث نظام التشغيل الخاص بها، وفي إطار ذلك حثت عملاءها على تحديث النسخة التي لديهم من حزمة آي وورك للتطبيقات المكتبية والتي تناظر نظام أوفيس من ميكروسوفت. لكن الأمر العجيب أن هذا الإصدار الجديد كان ذا مواصفات أقل، ولا يحتوي على الخدمات الرئيسية التي كانت موجودة في الإصدار السابق والتي قام بعض المستخدمين بتسديد ثمنها لحاجتهم إليها، ولم تكلف شركة آبل نفسها بأن تخطر عملاءها بذلك، وإن كانت قد صرحت لاحقا بأن صعوبات فنية قد حالت دون وضع كل المواصفات في الإصدار الأحدث، وأنها ستوالي تحديث هذا الإصدار بما تم إلغاؤه. إن هذه الأمثلة ونظائرها هي نذير للمستقبل، فلا يوجد التزام من أي شركة بحق العملاء في ملكية المواصفات التي يحتويها أي إصدار، كما أنه لا يوجد أي رقابة تنظيمية للمنتجات التي يتم بيعها بهذا الأسلوب، فالمنتج الذي يتم شراؤه اليوم ليس بالضرورة هو نفس المنتج الذي سيكون لدينا مستقبلا. وما قامت به آبل وجوجل وأمازون هو نموذج لما ستفعله أي شركة عندما تواجه صعوبات فنية أو قيود قانونية أو تنظيمية عند تحديث إصداراتها الرقمية، حيث لا يوجد أي ضمان لحقوق المستخدمين الذين قاموا بشراء تلك الخدمات والمواصفات، حيث إن شروط الاستخدام - التي يقبلها الجميع دون قراءتها عند شراء المنتجات الرقمية - تعطي الحق للشركة المنتجة في تعديل منتجاتها. والنتيجة هي أن الحماية الممنوحة للمستهلكين في القرن الواحد والعشرين أقل من تلك التي كانت تمنح لهم في القرن العشرين وذلك بالنسبة للمنتجات الرقمية، وهو ما ينبغي تداركه. أستاذ علم المعلومات - جامعة الملك سعود عضو مجلس الشورى