الاستهلاك ملازم لحياة الإنسان منذ الخليقة. فالأفراد والجماعات والشعوب تستهلك لتبقى. والاستهلاك هنا يشمل الصرف على المأكل والمشرب والمسكن والخدمات والأدوات المنزلية وكافة أنواع السلع. فالاستهلاك أمر طبيعي وضروري، ولكن في حال زاد عن اللزوم، أي كان مبالغا فيه، أصبح عاملا سلبيا وبالذات على ميزانية الفرد العادي، خصوصا إذا ما كانت قيمة شرائه أكثر من دخله. وبذلك يصبح الاستهلاك المبالغ فيه آفة رغم تنشيطه التجارة والاقتصاد بشكل عام. ومن الممكن أن يكون من وراء المبالغة في الاستهلاك والشراء، من غير ضرورة، حب الظهور والتباهي والتفاخر، أو التقليد للغير. تعود أسباب هذا النوع من الاستهلاك للوفرة والغنى والترف، وهذا عين الإسراف والتبذير المدمر. ولو وضعت القيمة الزائدة التي تصرف في الشراء في عمل خيري مثلا لاستفاد منها الآخرين ولكسب فاعل الخير الأجر والثواب. وقد يوقظ الإسراف والتبذير حسد وحقد من ليست لديه القدرة المالية على الشراء. والاستهلاك الزائد والمبالغ فيه مرتبط بالخلفية النفسية للشخص المستهلك، هذا إلى جانب فقدانه الوعي الاقتصادي والوعي الاستهلاكي بشكل عام. لذلك فقد يكون مستهلكا عشوائيا. لقد عززنا ثقافة الاستهلاك الزائد بكثير من الأمور، فبالغ البعض في بناء البيوت الفارهة والمكلفة صيانتها، ويوجد لدى كثير من الأسر أعداد من السيارات الزائدة عن حاجتها الفعلية. وقد يدخل أحدنا البقالة المركزية (سوبر ماركت) ليشتري شيئا محددا وينتهي بشراء أشياء كثيرة، ولذلك ما يعززه في نفسيته. وفيما ذكر تكاليف استهلاكية زائدة، وقد يكون لا لزوم لها. إضافة إلى كلفة الاستهلاك الزائد المبالغ فيه، فكثير من البضائع التي يشتريها المستهلك هي من النوع الرديء في الجودة، مثل كثير من البضائع الصينية، التي ينتهي مفعولها بعد مدة زمنية قصيرة. هذا إلى جانب خطورة بعضها مثل الأدوات الكهربائية الرديئة الصنع. فالمستهلك مثلا يشتري لعبة لطفله من الصنع الصيني ويفاجأ بعطلها بمجرد أن يبدأ الطفل باستعمالها. وكثير من المنتجات كالسيارات وقطع غياراتها تعمل لزمن وعمر محدد، بعد ذلك يضطر المستهلك الضحية لأن يشتري بديلا عنها، وبهذا يكون التجار والمصنعون هم المستفيدون لكن على حساب المستهلك. فأغلب البضائع لدينا كأنها صنعت لتهلك المستهلك ماديا في نهاية الأمر. وكما هو معروف فإن ديننا يحث على البساطة وعدم التبذير والإسراف. فقد قال تعالى: «يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين» (الأعراف 31)، «ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين» (الأنبياء 9)، «إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا» (الإسراء 27)، «ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا» (الإسراء 29). وفي الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله عليه الصلاة والسلام مر بسعد وهو يتوضأ، فقال: «ما هذا الإسراف يا سعد؟، فقال: أفي الوضوء إسراف؟ فقال: نعم، وإن كنت على نهر جار» (رواه أحمد وبن ماجه وأبي داود). ويذكر أن شركة مياه باستراليا اعتمدت ترجمة هذا الحديث في دعوتها لعدم الإسراف باستعمال الماء. كما في رواية النسائي وابن ماجه أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير مخيلة ولا سرف». ويروى عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: «إياكم والبطنة في الطعام والشراب، فإنها مفسدة للجسد، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما، فإنه أصلح للجسد وأبعد عن السرف». في الختام يحسن القول أن موضوع الاستهلاك بشكل عام والمبالغ فيه بشكل خاص يثير أهمية وجود جمعيات لحماية المستهلك، ولنشر ثقافة الاستهلاك من خلال تثقيف المستهلك عن التوفير وعدم الإسراف، ومن خلال زيادة الوعي الاستهلاكي لديه. هذا مع أهمية دفاع الجمعيات عن حقوق المستهلك ضد الغش والتقليد والتلاعب بالأسعار .. إلخ. ومع أن الإعلام يستخدم في التشجيع على الاستهلاك إلا أن بالإمكان الاستفادة منه بتوعية المستهلكين، إضافة إلى دور المؤسسات المعنية كالمؤسسات التربوية والجامعات وجمعيات حماية المستهلك والغرف التجارية والصناعية والمؤسسات الرسمية الأخرى مثل وزارة التجارة والهيئة العامة لحماية المستهلك.. والله أعلم.