للأسف تغيب لدينا المعالجات المعمقة التي تبحث في البنية النفسية للأفراد والجماعات المتورطين في ظاهرة كالإرهاب، ويتضح ذلك في غياب المعرفة بما يعرف في الغرب باسم «Cult -كلت: الجماعة المعزولة» فبعض الجماعات الإرهابية لا يمكن فهمها إلا عبر فهم الديناميكيات النفسية والاجتماعية للكلت، فالكلت جماعة تتمحور حول زعيم كارزماتي له سلطة مطلقة في جماعة مغلقة معزولة يسلب أفرادها قرارهم الفردي ويلزمون بالطاعة المطلقة ويمنعون من التواصل مع أهلهم والعالم الخارجي وتمنع عنهم وسائل المعلومات المستقلة، وتأثير هذا الجو القمعي هو خلق حالة أسر نفسي لدى الأتباع للجماعة تجعل من الصعب عليهم تركها ولو كانوا فعليا يريدون تركها. ويشجع زعيمها الغلو في شخصه وعادة ما تكون شخصيته نرجسية لدرجة جنون العظمة وسيكوباتية أي بلا ضمير ويغذي أتباعه بمنظور عقلية المؤامرة الذي يصور الجماعة على أنها صاحبة مظلومية والعالم كله ضدها وأن الأحداث على حافة مصيرية كآخر الزمان وهم جماعة الحق الوحيدة ومن ليس منها فهو جزء من المؤامرة وبهذا يبرر ضرورة قيام أتباعها بأمور متطرفة كالانتحار والقتل، ذكر قاضي داعش أبو سليمان أن من أسباب انشقاقه أن زعيمها قال إن المهدي سيظهر برمضان ويملكون الأرض بثلاثة أشهر «حتى أمر بعض الإخوة بأن يصنعوا له منبرا ليرتقيه المهدي في المسجد الأقصى» وبالمثل جماعة «جهيمان» الذي هاجم الحرم المكي لكي يبايع الناس صهره على أنه المهدي. وبسبب عزلها أتباعها يسهل التلاعب بهم وإعادة برمجتهم بشكل يجعلهم لا يقيمون ما يقومون به بشكل موضوعي صحيح، ومن أوجه التلاعب بالاتباع الكذب عليهم حول الأهداف الحقيقية وقد اعترف أتباع داعش المنشقون أنه قيل لهم إن عملياتهم الانتحارية هي ضد أهداف للنظام وتبين أنها ضد مدنيين وجماعات إسلامية.