توجد في المحاكم العامة قضايا إعسار أو ادعاء إعسار تبلغ الحقوق الخاصة للمدعين في مجموعها عدة مليارات وتجتهد المحاكم في التثبت من كون المدعي بالإعسار صادقا أم أنه غير صادق، وكثيرا ما تنتهي عملية التحري حسب الإمكانات المتاحة أو الإجراءات المتبعة بإثبات الإعسار وخروج المعسر من السجن وتمتعه بالحرية ولكن ذمته تظل مشغولة بحقوق الآخرين التي نادرا ما يبالي بعض المعسرين بها، وقد يلقى وجه ربه دون أن يحاول تبرئة ذمته من الحقوق التي عليه لأنه يعتبر صك الإعسار صك براءة يجعله يستأنف نشاطه اليومي في الحياة «وكأن شيئا لم يكن وبراءة الأطفال في عينيه»، بل إن بعض من ثبت إعسارهم عن طريق المحاكم يراهم المجتمع وقد ركبوا أفخر السيارات وسكنوا أفخم الفلل أو الشقق ولم يدعوا فرصة للترويح عن النفس في الداخل والخارج إلا مارسوها وربما تصدروا المجالس الاجتماعية التي حولهم وأصبحوا يتحدثون عن المبادئ الفاضلة وأهمية تطبيقها في حياة الفرد المسلم! ولعل أعجب ما في قضايا الإعسار أن حامل الصك المثبت لإعساره، يستطيع استئناف نشاط الاحتيال والنصب بطرائق مباشرة وغير مباشرة، فإذا طلب للمحاسبة أبرز الصك وقال لمن طلبه: إنني معسر وهاكم الدليل فينصرف عنه الطلب إلى كفيله الغارم وحده الذي يلزم بما نصت عليه كفالة الغرم والأداء من حقوق والتزامات، فيصبح صك الإعسار صك براءة وصك حماية للمعسر الذي لا يحتاج للحصول على صك جديد لأن جهات الاختصاص ثبت لديها من قبل أنه معسر! إن بعض الذين يخططون للاستيلاء على حقوق الآخرين تمهيدا لادعاء الإعسار يعدون للأمر عدته، بعدة طرق منها ألا يشتري عقارا أو يودع مالا باسمه بل باسم زوجه أو شركائه في عمليات النصب والاحتيال أو يحول الجزء الأكبر من ثروته إلى ذهب أو مجوهرات ويحفظها بعيدا عن العيون أو تكون له حسابات بنكية خارجية تحت أرقام سرية، وبناء على ما تقدم ذكره فإن من المصلحة تطوير الإجراءات والوسائل التي يتم من خلالها إثبات مسألة الإعسار من عدمه، وألا يكون صك الإعسار في حالة ثبوت حالة المعسر أداة تساعده على الاحتيال والنصب وأكل أموال الناس بغير حق ثم النجاة من المحاسبة عن طريق إبراز صك الإعسار، بل يجب محاسبته حسابا عسيرا على أفعاله اللاحقة لحصوله على صك الإعسار باعتبارها أعمالا منفصلة عما قام به من قبل وأنه مصر إصرارا على تصرفاته غير السليمة غير آبه بحق أو نظام أو عقوبة فيؤخذ ذلك كله في الحسبان ليوقع ضده الجزاء الرادع المانع له عن الاستمرار في الاحتيال وأكل أموال الناس بالباطل!